للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا عامل رسول الله على خيبر كان يشتري التمر الطيب، وهو الجنيب، بالتمر الرديء، وهو الجمع، وكانت قيمة الصاع من الجنيب تساوي صاعين من الجمع، فظن أن تساويهما في القيمة مبيح لشراء التمر الطيب بالتمر الرديء وإن تفاضلا في المعيار الشرعي وهو الكيل، لكن رسول الله نهاه عن هذه المعاملة، فدل على عدم جوازها، وأن التساوي في القيمة لا يعني التماثل المطلوب في الحديث الشريف وهو الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن، والعد فيما بعد.

وقد أكد هذا المعنى أحاديث كثيرة منها، قوله : «الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ وزْنًا بوَزْنٍ، مِثْلًا بمِثْلٍ، فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ فَهو رِبًا» (١). فنص الحديث على عدم جواز بيع الذهب أو الفضة إلا بالوزن، دال على أن المراد بالمثل المساواة في المعيار الشرعي، وهو الكيل، أو الوزن أو العدد، وليس المساواة في القيمة (٢).

وما قيل من أن الفقهاء الذين منعوا التعويض لم تكن علة المنع عندهم إفضاؤه إلى الربا، ولكن لعدم ثبوت موجب ضمانه لديهم، أي هل هو المقدار المقرض؟ والذي يسميه الباحث الشكل الصوري أم القيمة الحقيقية؟

فالجواب عنه فيما يلي:

١ - أما موجب ضمان القرض فهو ثابت عند الفقهاء أنه المثل. ولو كان موجب الضمان متردداً بين أمرين لوجدتهم قد اختلفوا فيه، لكن جماهير العلماء في مختلف العصور قالوا: بوجوب رد المثل، لا القيمة، هو ما يشبه الإجماع. ولم يشتهر القول برد القيمة إلا عن أبي يوسف. فدل على أن المانعين للربط لا يختلفون في موجب الضمان.


(١) صحيح مسلم بشرحه ٤/ ٩٩.
(٢) سبق أن بسطنا الكلام في هذا الموضوع، وأوردنا مزيداً من الأدلة في المطلب الأول من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>