للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله وعاءين: فأمّا أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا البلعوم" (١).

* رابعاً: حرصهم على رواية الحديث بنصه المسموع:

فقد كان الصحابة الكرام فمن بعدهم يحرصون على أداء ألفاظ الأحاديث النبوية كما هي، دون أن يبدّلوا حرفاً بحرف، أو كلمة بكلمة. وذلك استناداً منهم إلى قوله : "نضَّر الله امرأً سمع منَّا شيئاً، فبلَّغه كما سمع" (٢).

لذلك فلم يكنوا يحدِّثون عن رسول الله بالمعنى إلا في حال الضرورة، عند غياب لفظ الحديث عن الذهن، وبقاء معناه، أو تشككهم في لفظه، فحينئذ يترخصون في الرواية بالمعنى، لمصلحة تحصيل الحكم وتبليغه (٣).

ومن الشواهد الدالة على ذلك: ما أخرجه أحمد في المسند، عن أبي جعفر، قال: "كان عبد الله بن عمر إذا سمع من نبي الله شيئاً، أو شهد معه مشهداً، لم يقصر دونه أو يعدوه. قال: فبينما هو جالس وعُبيد بن عُمير يقصّ على أهل مكة، إذ قال عُبيد بن عمير: مَثَلُ المنافق كمَثَلِ الشاة بين الغنمين، إن أقبلتْ إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلتْ إلى هذه نطحتها. فقال عبد الله بن عمر: ليس هكذا! فغضب عُبيد بن عمير، وفي المجلس


(١) "صحيح البخاري» (١٢٠). وقد حمل العلماء الوعاء الذي نشره بأنه ما فيه أحكام الدين والشريعة، وأما الوعاء الذي لم ينشره: فما كان فيه من أخبار الفتن، والأحاديث التي تبين أسماء أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقيل غير ذلك، ينظر "فتح الباري» لابن حجر ١/ ٢١٧.
(٢) رواه الترمذي في سننه (٢٦٥٧) وقال: حسن صحيح.
(٣) على أن الرواية بالمعنى إنما تكون في الكلمة والكلمتين والثلاث، وقلَّما تكون في جميع ألفاظ الحديث، وقد اشترط العلماء لجوازها شروطاً صارمة مقررة في كتب المصطلح.

<<  <   >  >>