ولنرجع مرة أخرى إلى كلام الحافظ فى الفتح أيضاً لنؤكد هذا المعنى، حيث قال (٢ / ٤٨) : (لا يلزم من كونهم أكثر عملاً أن يكونوا أكثر زماناً لاحتمال كون العمل فى زمنهم كان أشق، ويؤيده قوله تعالى: (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) ، ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التى بين عيسى ونبينا - صلى الله عليه وسلم - دون المدة التى بين نبينا وقيام الساعة، لأن الجمهور أهل المعرفة قالوا أن مدة الفترة بين عيسى وبين نبينا - صلى الله عليه وسلم - ستمائة سنة، وثبت ذلك فى صحيح البخارى عن سلمان، وقيل انها دون ذلك (١) حتى جاء عن بعضهم انها مائة وخمس وعشرون سنة، وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به، فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته) .
أظن الآن أن موقف الحافظ قد أتضح تماماً تماماً، فهو هنا يطعن فى طريقة الحساب، بل قد طعنها فى مقتل. وعلى ما يبدو أن الأخ قد وقع فى الخطأ لانه قد قرأ بعض كلام الحافظ دون بعض.
وقال الحافظ أيضاً عند نقله لكلام ابن المنير (٢/٤٨) :
(فهو من قبيل الإشارة لا من صريح العبارة، إن الحديث مثال وليس المراد العمل الخاص بهذا الوقت بل هو شامل لسائر الأعمال من الطاعات فى بقية الامهال إلى قيام الساعة. وقد قال إمام الحرمين: إن الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التى تأتى لضرب الأمثال)
وقال (٢ / ٤٨) (وعلى التنزيل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة وبأن الخبر إذا ورد فى معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد فى ذلك المعنى بعينه مقصوداً فى أمر آخر) . اهـ
إن الجميع يتفقون على أن النهاية قد قربت، بل إن موت النبى - صلى الله عليه وسلم - من علامات الساعة، وقد قال الحافظ ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم (١ / ١٢٦ ط دار الكتب العلمية) بعد أن ساق أحاديث قرب قيام الساعة، ومنها الأحاديث السابق الإشارة إليها، قال رحمه الله:
(وهذا كله يدل على أن ما بقى بالنسبة إلى ما مضى كالشئ اليسير لكن لا يعلم مقدار ما بقى إلا الله عز وجل ولم يجئ فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم حتى يصار إليه ويعلم نسبة ما بقى إليه ولكنه قليل جداً بالنسبة إلى ما مضى، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح بل إن الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به دون أحد من خلقه) . اهـ.
ونحن الآن نسأل سؤالاً: نعلم جميعاً أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أخبرنا عن علامات الساعة ومنها الدجال والمهدى و...... وانه سيأتى يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع وباقى الأيام كأيامنا هذه، فلماذا لم يخبرنا أن المدة من مبعثه - صلى الله عليه وسلم - إلى انتهاء عمر الأمّة هو كذا سنة؟؟
- هل كان يعرف وكتمه عنّا؟؟ حاشاه - صلى الله عليه وسلم -
- هل كان لا يعرف ذلك، وعرفته أنت الآن؟!
هل كان لا يستطيع أن يحسب ٢٠٠٠ - ٦٠٠ = ١٤٠٠ سنة؟
وكذلك لم يستطع أحد من أصحابه أجمعين أن يحسبها، مع انهم كانوا يحسبون الفرائض والمواريث؟؟ الإجابات كلها ستكون أمر من العلقم!!
أقول لك: لو كان خيراً لسبقونا إليه، فانهم أهل العلم والهدى.
(١) * يؤكد ما قلته سابقاً من أنه لم يعتمده ولم يسلم به. (أبو حاتم)