للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ (١)، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ» (٢). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

٥ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ (٣)، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الَارْضِ (٤) خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» (٥). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.


(١) فيه الترغيب على أخذ الحديث وحفظه والحرص عليه، والثناء على أبي هريرة بذلك.
(٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفرق بين عبادات أهل الإسلام وعبادات أهل الشرك» (ص: ١٢٨): «فأهل التوحيد المخلصون لله هم أحق الناس بشفاعته - صلى الله عليه وسلم -، فمن كان لا يدعو إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يدعو مخلوقًا، لا مَلَكًا، ولا بشرًا، لا نبيًّا، ولا صالحًا، ولا غيرهما، كان أحق بشفاعته ممن يدعوه، أو يدعو غيره من المخلوقين، فإن هؤلاء مشركون، والشفاعة إنما هي لأهل التوحيد. وإذا كان كذلك، فالذين يدعون المخلوقين، ويطلبون من الموتى والغائبين الدعاء والشفاعة، هم أبعد عن الشفاعة فيهم، والذين لا يدعون إلا الله هم أحق بالشفاعة لهم» اهـ.
(٣) العنان: السحاب.
(٤) أي: بما يقارب ملأها.
(٥) قال الإمام ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (٢/ ٤٠٦ - وما بعدها): «تضمن هذا الحديث الأسباب الثلاثة التي يحصل بها المغفرة:
أحدها: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء مأمور به، وموعود عليه بالإجابة، كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه، وقد تتخلف إجابته، لانتفاء بعض شروطه، أو وجود بعض موانعه، ومن أعظم شرائطه: حضور القلب، ورجاء الإجابة من الله تعالى. وقوله: «إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك ما كان فيك ولا أبالي» يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، لا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره، فذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها، فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته.
السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار، ولو عظمت الذنوب، وبلغت الكثرة عنان السماء. والاستغفار: طلب المغفرة، والمغفرة: هي وقاية شر الذنوب مع سترها. والاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله أهله، ووعدهم بالمغفرة.
السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا، لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة. فإنْ كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية. فمن تحقق قلبُهُ بكلمة التوحيد، أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيمًا وإجلالًا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلًا، وحينئذ تحرق ذنوبَهُ وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات» اهـ باختصار.

<<  <   >  >>