بالصفات الثبوتية، أما العدم المحض فليس بكمال فلا يمدح به، وإنما يمدح الرب تعالى بالنفي إذا تضمن أمراً وجودياً، كمدحه بنفي السِّنة والنوم، المتضمن كمال القيومية، وفي الموت المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والإعياء، المتضمن كمال القدرة، ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير، المتضمن كمال صمديته وغناه، ونفي الظلم، المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه، المتضمن كمال علمه وإحاطته، ونفي المثل، المتضمن لكمال ذاته وصفاته.
ولهذا لم يتمدح بعدم محض لم يتضمن أمراً ثبوتياً، فإن المعدم يشارك الموصوف في ذلك العدم، ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه، فإن المعنى: إنه يُرى ولا يدرك ولا يحاط به، فقوله:(لا تدركه الأبصار)[الأنعام: ١٠٣] يدل على كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن " الإدراك " هو الإحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى:(فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا)[الشعراء: ٦١-٦٢] . فلم ينف موسى الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يرى ولا يدرك، كما يعلم ولا يحاط به علماً، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية، كما ذكرت أقوالهم في تفسير الآية. بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه.
ثم ذكر الشيخ أن " الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، الدالة على الرؤية متواترة، رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن. فمنها: حديث أبي هريرة: " أن ناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله