للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكون المسلم يستشعر دائما عداوة الكفار، والمنافقين والمرتدين ليس معنى ذلك أن يعيش في كآبة وحزن وضجر وضيق ومعاناة طيلة حياته نتيجة مشاهداته لأعمال أهل الكفر واختلاطه بالكفار، وإنما المقصود من عداوة الكفار وإضمار العداوة لهم وملازمة هذا الشعور نحوهم، هو أن يتحول الشعور بعداوتهم إلى عمل مثمر بناء، وذلك بالسعي الجاد لإخراج من يريد الله هدايته من صف الكفار إلى صف أهل الإسلام، بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والأسوة الكريمة، ومن رفض قبول الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وجب مع استعمال الأسلوب الثاني من أساليب الدعوة وهو الجهاد، الذي شرعه الله بتحرير العقول من أن نستبعد لغير خالق العباد.

فمعاداة الكافرين في الإسلام وسيلة لشحذ الهمم في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وهي كذلك وسيلة لمحافظة المسلم على خصائص الإسلام ومميزاته، فلا يتأثر بنظم الكفر وتصوراته الجاهلية نظرا لما يكنه لأولئك ولنظمهم من موقف عدائي بخلاف ما لو فقد الشعور نحوهم بالبغض والعداوة فإنه عندئذ يستحسن أقوالهم وأفعالهم ويتأثر بهم وهذا أمر مشاهد وتجربة ماثلة للعيان، فالذي يجاري الكفار في بعض الأمور ويقلدهم في أقوالهم، وأفعالهم أقل عداوة وبغضا لهم، ممن يفاصلهم مفاصلة تامة.

فالشعور بالعداء نحو الأعداء ليس عملا سلبيا، إذا أحسن استغلاله في إطار أمة منظمة ملتزمة بعقيدة ومنهج معين.

ولذلك شواهد من التاريخ الواقعي.

فالصليبيون في الأندلس ظلوا يضمرون العداء للمسلمين طيلة ثمانية قرون من الزمن حتى تغلبوا على المسلمين وأبادوهم إبادة تامة وفر من فر من البقية الباقية إلى شمال أفريقيا، فلم تمت عداوتهم للمسلمين طيلة هذه القرون العديدة ولم يذوبوا أو ينصهروا مع المسلمين، وعندما هجم

<<  <  ج: ص:  >  >>