للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول والعمل، وذلك من أقوى أسباب الألفة (١) اهـ.

أما المداهنة فهي من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه.

أما المداراة فهي تعني: الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، حتى لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بطلف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه على الخير ومنع ما يحصل منه من شر (٢).

فقد روى أبو نعيم في الحلية عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأقبل رجل فلما نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بئس أخو العشيرة وبئس الرجل» فلما دنا منه أدنى مجلسه فلما قام وذهب قالوا: يا رسول الله حين أبصرته قلت: بئس أخو العشيرة وبئس الرجل، ثم أدنيت مجلسه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنه منافق أداريه عن نفاقه، فأخشى أن يفسد علي غيره» قال أبو نعيم هذا حديث غريب (٣).

ومن ذلك نستنتج أن المداراة جائزة فيما لا يؤدي إلى ضرر الغير في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وفيما لا يخالف أصلا من أصول الإسلام وواجباته، وإن مداراة أهل الفسق والفجور ليست قاعدة مطردة يؤخذ بها في كل وقت وحال، وإنما يجوز العمل بها فقط إذا خيف حصول شر أعظم مما هو كائن، أو مثله، وكان المداري غير قادر على إنكار هذا المنكر


(١) انظر فتح الباري (١٠/ ٥٢٨).
(٢) المصدر السابق (١٠/ ٥٢٨، ٥٢٩).
(٣) الحلية لأبي نعيم (٤/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>