للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في وجه الحق وأهله، وعبر الزمان والمكان؟ تتكرر كلما تقابل الحق مع الباطل والإيمان مع الكفر (١).

ثم يقول الله عز وجل عن فرعون هذا في موضع آخر: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر: ٢٩].

انظر كيف نجد فرعون يتحدث عن نفسه حديث المخلص لقومه الساعي لمصلحتهم فيقول: إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابًا وأعتقده نافعًا، وهل يرى الطغاة أفعالهم إلا أنها الخير والرشاد؟ فالخير والرشاد في مفهوم أولئك المجرمين، أن ينالوا شهواتهم وملذاتهم كاملة دون نقص، ولو فنيت الأمة كلها، أما لو كانوا يسعون في مصلحة الأمة كما يدعون، لسمحوا للأمة أن تقول لهم أنتم مخطئون، وأنتم غير صالحين للقيادة فتنحوا عنها، وأعطوا القوس باريها ولكن الحاصل من الطغاة من فرعون الغابر إلى فراعنة العصر الحاضر، أنهم لا يسمحون لأحد أن يرى رأيا يخالف رأيهم، أو أن يقول كلاما يخالف قصدهم، ولو لم يكونوا بهذا الوصف لما كانوا طغاة مستبدين وفراعنة مجرمين (٢).

قال تعالى: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) [البقرة: ١٢] فباسم الإصلاح والمحافظة على حقوق الأمة، يوالون الكفار، وينشرون كفرهم، ويحاربون المؤمنين، ويطفئون نور الله بأفواههم ويعبثون في الأرض فسادا، وإذا أنكر عليهم أحد من المسلمين جريمتهم (قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) فهم كما يقول الشاعر:

كم أضاعوا باسم الشعوب شعوبا ... طحنتها المكائد الهوجاء


(١) انظر في ظلال القرآن سيد قطب (٢٤/ ١٧٨).
(٢) انظر في ظلال القرآن سيد قطب (٢٤/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>