للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو نوقشوا في هذا الأمر قالوا: نحن نريد أن نحقق رغبة الأمة، وندري مصالحها، ونرضي من فيها على اختلاف أنواعهم، كفارا كانوا أو مسلمين ونعطي لكل فريق رغبته بلا حدود أو قيود، وهم يدركون أن قولهم ذلك مجرد دعوى، يبررون بها باطلهم، ولكنهم يرون هذا الباطل في تصورهم الخاطئ صحيحا، إلى حد ما وهم لذلك يجمعون بين المتناقضات ويؤلفون بين المتضادات وهو أمر ممتنع الحصول عقلا وشرعا، ولذلك يبين الله عز وجل أن عملهم هذا قمة في الفساد، ونهاية في الضلال، وكأنه ليس هناك مفسد في الوجود غيرهم، فقال تعالى عنهم: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) فما يزعمونه إصلاحا هو عين الفساد، ولكن من جهلهم المطبق وانحرافهم السحيق، لا يشعرون أن عملهم هذا هو الفساد (١).

فالإفساد في الأرض من وجهة نظر هؤلاء، هو الدعوة إلى الله وتحكيم شرعه، حيث يترتب تلقائيا بطلان حكم الفراعنة، وسقوط نظامهم كله، لأن نظام الطغاة قائم أساسا على عبودية البشر للبشر، أو بتعبير أدق على أساس ربوبية الفراعنة على عبيدهم المستعبدين لهم، ولذا قرنوا الفساد في الأرض بتحطيم الجذور التي يقومون عليها، لأن بتحطيمها تحطيما لهم، وإن كان في ذلك صلاح المجتمعات كلها وتحريرها من عبوديتهم الظالمة، وطغيانهم المميت (٢).

ومثل هذا ما قاله النمرود وقومه: لإبراهيم عليه السلام عندما كسر أصنامهم كما ذكر الله عنهم في قوله تعالى: (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: ٥٩] فأطلقوا وصف الظلم على إبراهيم بينما الظلم الحقيقي في عبادتهم للنمرود وأصنامه، ومحاربتهم لدين الله ورسوله (٣).


(١) انظر مجموعة التوحيد (٢٥٧، ٢٥٨).
(٢) انظر في ظلال القرآن سيد قطب (٣/ ٩/ ٦١٠، ٦١١).
(٣) انظر في ظلال القرآن سيد قطب (٥/ ١٧/ ٥٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>