للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما قطع الأخوة بعد اتصالها فمنهي عنه، ومذموم في نفسه، ونسبة قطعها إلى تركها ابتداء، كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح.

فالطلاق في معظم أحواله أبغض إلى الله من ترك النكاح، فمخالطة الفساق ابتداء محذورة، ومفارقة إخوان العقيدة والإيمان أيضا محذورة حيث إن المسلم مطلوب منه شرعا، أن يصحب الأخيار وينبذ الأشرار، لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، وهذا الأخ الذي شذ عن إخوانه في الله هو كالمريض الذي يجب الاعتناء به وعلاجه بكل مستطاع فالمريض لا ييأس منه أهله بمجرد ظهور المرض عليه، فيسعون إلى قبره ودفنه وهو على قيد الحياة، بل الواجب بذل الطاقة واستفراغ الوسع في معرفة أسباب المرض ونوعه، ثم معرفة العلاج النافع لمثل تلك الحال, وكذلك الشأن في معاملة من يشذُّ عن طريق الجماعة المسلمة، فإنه يجب أن تصله وإن قطعها، وأن تترفق به وإن جفاها، وأن تحسن إليه وإن أساء إليها، وأنت تصبر عليه كصبر أهل المريض على علاج مريضهم ما لم تيأس منه كيأس أهل المريض من مريضهم بالموت (١).

وهذا القول هو القول الراجح في نظري للأسباب التي ذكرتها فيما سبق، لأن القول الأول وهو قول أبي ذر رضي الله عنه في وجوب معاداة من انحرف بمعصيته عن طريق الأخوة في الله، فيه شدة وخشونة وغلظة قد يترتب عليها من المفاسد أكثر مما يترتب عليها من المصالح.

وإن كان الأمر في نظري أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأوضاع المحيطة بالجماعة المسلمة، لأن هذه المسألة مما يدخل في نطاق السياسة الشرعية لمصلحة الدعوة إلى الله عز وجل.

هذا الكلام المتقدم يتعلق بالخلاف بين الإخوة في الله، إذا ارتكب أحدهم معصية تؤدي به إلى الانحراف عن طريق الجماعة المسلمة.


(١) المصدر السابق نفس المكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>