للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يجُّروا العاصي من الساحل إلى محيط الكفر والضلال، مما يتحقق معه غلبة الهلاك.

والأصل أن ينزل عقد الأخوة في الله منزلة عقد القرابة فإذا انعقدت القرابة تأكَّد الحق ووجب الوفاء به، وكذلك الأخوة في الله، إذا انعقدت وجب بقاؤها حتى ولو حصل ما يناقضها من معصية لا توجب الكفر، أو حصل ما ينقصها أو يضعفها، لأن استمرار الملاطفة والرفق والاستمالة، يفضي إلى الرجوع والتوبة إلى الله، عند استمرار الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولأن استمرار الصحبة يؤدي إلى استمراء الحياء عند العاصي أو المخالف مما قد يكون سببا معينا على الإقلاع عن المعصية ومخالفة الجماعة، ولأن من الحق الوفاء بحق الأخوة في الله والأخ العاصي أو المخالف لنهج الجماعة المسلمة بأشدَّ الحاجة إلى من يقف معه في مصيبته تلك، أرأيت هذا الأخ لو كان مستقيما على الصراط السوي، وأصابته حاجة مالية أو فقر شديد، ألا يجب شرعًا مساعدته ومعاونته؟ وكذلك الأمر بالنسبة لمصائب الاعتقاد والعمل، فإن فقر الدين أعظم رزية من فقر المال، فهذا الأخ الذي انحرف بعصيانه وخرج على منهج الجماعة قد أصابته مصيبة وألمت به نازلة، حيث افتقر في دينه وأصيب في عقيدته فينبغي أن يراقب وأن يراعى ولا يهمل بل يجب أن يتلطف به، ليعان على الخلاص من الواقعة التي ألمت به، فأخوة الإيمان عدة للنوائب وحوادث الزمان، فهي مؤازرة في البلاء ومشاركة في الرخاء وأي حادثة أشد من حادثة الإصابة في الدين؟ وأما ابتداء مصاحبة الفاسق أو مؤاخاته فلا تقاس على هذه الحال، فمؤاخاة الفاسق ابتداء لم يتقدم لها حق سابق، ولذلك يجوز ترك المؤاخاة له ابتداء، وهذا ليس بمذموم ولا مكروه، بل قال البعض: إن هذا هو الأولى (١).


(١) انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات برقم (١٦٠٥) على ميكروفيلم (٥٥٦/ ٦) الورقة (٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>