للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جالسا قرب الملك وقام من مجلسه وصفع الجندي على وجهه صفعة مؤلمة، وأمر به إلى السجن ومرت الأيام وجرى تبادل الأسرى بين المسلمين والروم وعاد الجندي المسلم الأسير إلى أهله، واستدعاه الخليفة وأكرمه وسمع خبره، ثم أمر بتوجيه بعثة من الجنود تنكروا على شكل صيادين حتى وصلوا إلى القسطنطينية فدخلوها واحتالوا على البطريرك فقبضوا عليه وجاءوا به مكبَّلا إلى أن أدخل على مجلس الخليفة الذي زانه الوقار والحكمة والهيبة فأوقف أمامه، وكان الجندي الذي أسر بجانب الخليفة: فقال له: معاوية أهذا هو؟ أي الذي صفعك فقال: نعم يا أمير المؤمنين فقال له دونك فاقتص منه، فقال الجندي باستعلاء وعزة: بل عفوت عنه يا أمير المؤمنين، فقال الخليفة للبطريرك: اذهب إلى ملكك وقل له: إن أمير المؤمنين يقيم العدل ويقتص من الجاني حتى في مملكته، ورجع البطريرك يرجف فؤاده خزيًا وهيبة، وقد أذله وقهره عفو الجندي وتوبيخ الأمير بالرغم مما أساء إليهما به هو وملكه المتعجرف وهكذا لم يقر قرار للخليفة المسلم حتى أعاد لجندي صفع ظلمًا، حقه من عدوه، وحفظ له كرامته وللدولة هيبتها أمام أعتى دول الأرض حينذاك وأكثرها غنى ورفاهية وتجبرا (١).

ورحم الله معاوية بن أبي سفيان الذي ضرب بتلك الحادثة المثل الكبير للحاكم المسلم الذي يدافع عن حق الفرد وحق الجماعة على حد سواء.

ولكن أين حكام اليوم من مثل تلك الحادثة العظيمة؟ لقد أضاعوا حقوق الأفراد وحقوق الأمة كلها فهناك شعوب مسلمة تقتل وتعذب بأشد أنواع العذاب وتستعبد من قبل طغاة كافرين، ومع ذلك لا نسمع ممن


(١) انظر تأملات تاريخية في مجلة المجتمع عدد (٥٣٤) السنة الحادية عشرة في (٢٨/ ٨/ ١٤٠١) هـ (٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>