وانصرف عروة وهو مأخوذ بما رأى من فعل ابن أخيه فيه وحرصه على سلامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع إلى قريش وهو يقول لهم:«يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه، والله ما يحدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما عليه إلا أن يشير إلى امرئ فيفعل»(١).
ومن الصور العملية في ذلك أيضا أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعث بعثة استطلاعية مكونة من اثنين من جنوده للوصول إلى القسطنطينية وتفقد أحوالها، وسافر الاثنان متنكرين حتى وصلا عاصمة الروم واختلطا بأهلها وجمعا ما يريدان من معلومات، وكانت خطتهما أن يمشيا متباعدين حتى إذا قبض على أحدهما كان بوسع الآخر العودة والإخبار عنه، ودخل أحدهم قصر الملك في أحد احتفالاتهم، وحاول التعرف على القصر ومداخله، وأحوال الملك وجماعته، ولكنه اكتشف أمره وقبض عليه، وكان أخوه في الإسلام يراقب ذلك فلما تأكد من أنه سجن كر راجعا ليخبر الخليفة بأمره.
وقدم الجندي الأموي المسلم إلى ملك الروم الذي كان مغرورا بأبهته وحاشيته كالديك الرومي محاطا بالحاشية والحرس، فاتهم الجندي المسلم باللصوصية وقال له: ماذا يريد خليفتكم من الإغارة علينا، أما تكفيكم بلادكم؟ ورد عليه الجندي بعزة وإباء: نحن لا طمع لنا في بلادكم وأموالكم وإنما نهدف إلى نشر الإسلام وإقامة موازين العدل التي افتقدها الناس بسبب ضلالهم عن الدين الحق وتحريفهم لكتب الأنبياء السابقين ولتأليههم البشر وعبادتهم للملوك والجبابرة، وغضب عند ذلك البطريرك الذي كان