للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن أقواما بالمدينة ما سلكنا شعبا، ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر» (١) وفي قصة الذين جاءوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يطلبون منه أن يأخذهم معه إلى الجهاد، فردهم لأنه لم يجد ما يحملهم عليه، وهم لا يجدون ما ينفقون سوى أعز ما يملكون من تضحية في نفوسهم دليل على المشاركة بالشعور عند عدم المشاركة بالفعل فقد انصرفوا وهم يبكون حزنا على ما فاتهم من شرف الجهاد قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: ٩١، ٩٢].

فالمسلم إذا عجز عن المشاركة بالمال أو النفس أو القول فلا أقل من المشاركة بمشاعر الحب والبغض، ولذلك فعذر الله للمذكورين في الآيتين ليس على إطلاقه بل هو مشروط بقوله (إذا نصحوا لله ورسوله) أي: إذا عرفوا الحق وأحبوه وأحبوا أهله، وأحبوا انتصارهم، وعرفوا الباطل وعادوه وأبغضوه وعادو أهله، فعند ذلك تزول عنهم التبعة ويدخلون في عداد المحسنين (٢) قال تعالى: (إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ولكنهم مع ذلك نجد أن أعينهم تفيض من الدمع حزنا على ما فاتهم من شرف الجهاد مع أن طبيعة معظم الناس الذين يفقدون حرارة الإيمان أن يفرحوا بنجاتهم من الأخطار، وابتعادهم عن غائلة الحروب ولكن الإيمان جعل هؤلاء يرون في فوات هذه الغزوة عليهم فوات شيء ثمين يستحق أن تسكب عليه العبرات وتحزن له النفوس، وعلى عكس هذا


(١) انظر صحيح البخاري (٤/ ٣١) ط دار إحياء التراث العربي.
(٢) انظر تفسير القرطبي (٨/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>