الموقف المتسامح مع أصحاب الأعذار الذين شاركوا بقلوبهم ومشاعرهم عند عجزهم عن المشاركة بأفعالهم نجد موقف الشدة والتأنيب لأولئك الذين تخلفوا عن المعركة نفسها بدون عذر شرعي وذلك في قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي (١).
وذلك نتيجة لحظات من الضعف البشري، وإيثارا للراحة على التعب والظل على الحر، والإقامة على السفر، مع أنهم مؤمنون صادقون، فقد استيقظ الإيمان في نفوسهم بعد قليل من سفر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلموا أنهم ارتكبوا بتخلفهم عنه وعن المؤمنين إثما كبيرا، ومع ذلك فقد كانت عقوبتهم قاسية رادعة مؤلمة، فقد عزلوا عن المجتمع عزلا تاما، واعتزلهم المؤمنون اعتزالا كاملا، ونهي الناس عن كلامهم والتحدث معهم لمدة خمسين يوما حتى زوجاتهم أمروا بمفارقتهن مفارقة سكنى واستئناس بهن، ورغم المقاطعة الشديدة لهم، لم نجد منهم من ركن إلى أقوال المنافقين أو اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين ولم نجد منهم من استحباب إلى دعوة حاكم غسان الذي سمع بالخبر، فأراد أن يستغل تلك الفرصة بدعوة أحد الثلاثة أو جميعهم إليه، ولكن كتابه أحرق بالنار، لأن جذوة الإيمان مشتعلة في النفوس كما نجد في هذه القصة الوحدة الحقيقية في القول والعمل والالتزام الصارم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مقاطعة من يؤمرون بمقاطعته ولو كان أقرب قريب، وهذه الصفة هي روح الموالاة والمعاداة في الله، فلم يهم أحد من المسلمين بمسارقة أولئك النفر في الحديث خفية أو خلسة، لاعتقادهم اعتقادا جازما بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتخلف ثلاثة نفر من ثلاثين ألف مجاهد ليس له تأثير مباشر في نتيجة المعركة أو طبيعتها ولكن القضية هي أكبر من ذلك حيث إن الأمر يتعلق بمبدأ المشاركة والالتزام بمفهوم الإيمان، ولا يجوز للمسلم أن