للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتحول من المشاركة الفعلية إلى المشاركة القلبية والشعورية إلا عند وجود الأسباب المبيحة لذلك أما ترك المشاركة الفعلية والقولية والقلبية فهذا لا يحصل من مسلم صادق في انتمائه للإسلام فلا يجوز للمؤمن الصادق في إيمانه أن يتخلف عن عمل يقتضيه الواجب، أو يرضى لنفسه بالراحة والناس من إخوانه يتعبون، أو يستغرب في الملذات والنعيم وإخواته يبتئسون وتلك هي سمة الإيمان وسمة المؤمن دائما وأبدا إنه فرد من جماعة، وجزء من كل وعضو من جسم، وإن ما يصيب هذه الجماعة يصيبه من باب أولى، وما يفيد هذه الجماعة يفيده، وإن النعيم لا معنى له ولا قيمة له مع شقاء الأمة وبؤسها، والراحة لا لذة لها، مع تعب الناس وعنائهم، وإن التخلف عن الواجب نقص في الإيمان، وخلل في الدين وإثم لا بد فيه من التوبة والإنابة إلى الله عز وجل (١).

ولذلك فإحساس المؤمن وضميره الحي يدفعانه إلى ذلك الواجب بسلطان من داخل نفسه لا من خارجها فهذا أبو خيثمة رضي الله عنه بعد ما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك المتقدم ذكر طرف منها دخل على أهله في يوم شديد الحر، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه وقد رشت كل واحدة منهما عريشها بالماء ليزداد برودة، وبردت فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب كل عريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له.

فقال في نفسه: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضح (٢) والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأتين حسنوين في ماله مقيم ما هذا بالنصف (٣)؟ والله لا أدخل عريش واحدة منكن حتى ألحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهيأ لي زادا، ففعلتا ثم خرج في طلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى أدركه


(١) انظر في هذا المعنى كتاب السيرة دروس وعبر تأليف د/ مصطفى السباعي (١٧٢).
(٢) الضح لهب الشمس وحرارتها انظر المعجم الوسيط (١/ ٥٣٦).
(٣) النصف أي: العدل والإنصاف انظر المعجم الوسيط (٢/ ٩٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>