للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين نزل تبوك، وقد قال وهو في الطريق شعرا بهذه المناسبة نذكر منه ما يلي:

تركت خضيبا بالعريش وضرمة ... صفايا كراما بسرها قد تحمما

وكنت إذا شك المنافق أسحمحت ... إلى الدين نفسي شطره حيث يمما (١)

إن المسلم الحق ليضيق صدره بمأكله ومشربه ومسكنه وهو حر طليق، إذا كان إخوانه يتقلبون في حالة بؤس وشقاء وضيق.

ومثل أبي خيثمة عثمان بن مظعون رضي الله عنه حيث دخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة، فلما رأى عثمان ما يلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الأذى وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل مشرك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص شديد في نفسي فمضى عثمان إلى الوليد بن المغيرة فقال: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك قد كنت في جوارك وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلي به وبأصحابه أسوة فقال الوليد فلعلك يا ابن أخي أوذيت أو انتهكت قال لا: ولكن أرضى بجوار الله ولا أريد أن استجير بغيره، قال الوليد فانطلق إلى المسجد فاردد على جواري علانية كما أجرتك علانية، فانطلق إلى المسجد ثم قال الوليد هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد على جواري فقال عثمان صدق، وقد وجدته وفيًّا كريما، وقد أحببت أن لا أستجير بغير الله عز وجل، ثم حضر مجلسا لقريش وفيه لبيد ينشد.

ألا كل شيء ما خلا الله باطل، فقال: عثمان صدقت ثم قال: وكل نعيم لا محالة زائل، فقال عثمان كذبت.

فقال لبيد: يا معشر قريش ما كانت مجالسكم هكذا فقام سفيه منهم


(١) انظر البداية والنهاية لابن كثير (٥/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>