للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: أنه يمكن الجمع بين الأدلة الدالة على جواز الاعتزال وبين أدلة المنع عن الاعتزال بأن الاعتزال يجوز عند توفر أحد الأسباب الآتية:

السبب الأول: عدم معرفة صاحب الحق من صاحب الباطل.

فيجوز الاعتزال عندما يتعذر على الإنسان المسلم معرفة صاحب الحق من صاحب الباطل، ففي حالة التباس الأمر عليه يجوز له اعتزال المتخاصمين كما فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم فقد اعتزل سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وابن عمر في طائفة أثناء الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهم والسبب في ذلك عدم وضوح الدليل مع أحد الطرفين المتنازعين في نظرهما، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: عندما أمره رجل بالقتال بدعوى أنهم بغاة فقال: لا أدري من هي الفئة الباغية؟ ولو علمنا ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى قتالها (١) اهـ.

أما إن استبان له الحق والصواب فالجمهور متفقون على منع الاعتزال زمن الفتنة لما يترتب على ذلك من خذلان أهل الحق وتقوية أهل الباطل ويستدلون على ذلك بفعل بعض الصحابة رضي الله عنهم الذين اشتركوا في القتال في موقعة الجمل وصفين، وبفعل خزيمة (٢) بن ثابت رضي الله عنه حيث كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان لا يقاتل فلما قتل عمار قاتل حينئذ وحدث بحديث «يقتل عمارًا الفئة الباغية» (٣).

السبب الثاني: فقدان القدرة القولية أو الفعلية على إظهار الحق وقمع


(١) انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن أحمد بن حزم (٤/ ١٧١).
(٢) هو خزيمة بن ثابت بن ثعلبة الأنصاري يكنى أبا عمارة وهو ذو الشهادتين جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته عن شهادة رجلين شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حضر الجمل وصفين مع علي ولم يقاتل حتى قتل عمار وقاتل وقتل سنة (٣٧) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (٢/ ١١٤، ١١٥).
(٣) انظر فتح الباري (١٣/ ٤٢، ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>