للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاصي، لأنه في الجملة، يؤجر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا سيما إذا كان مطاعا في قومه أما إثمه الخاص به، فقد يغفره الله له، وقد يؤاخذه به، أما من قال: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من ليست فيه نقيصة من المعاصي، فالجواب أنه إذا أراد بذلك الأولى والأفضل فهو أمر جيد أما إذا أراد بذلك المنع فيلزم من ذلك سد باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم وجود الشخص أو الأشخاص الخالين من المعاصي أو الأخطاء (١).

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عمل للنفس في الدنيا والآخرة فالإنسان وإن شعر بأنه لا يناله أذى مباشر من بعض معاصي الناس ومنكراتهم إلا أن الحقيقة أن المعصية إذا وجدت والمنكر إذا حصل ولم يقم الناس بالواجب عليهم في ذلك عمهم الله بآفة العقوبة في الدنيا والآخرة كما حصل لبني إسرائيل قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَت لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة: ٧٨ - ٨٠] وقد حذرنا الله عز وجل من ترك أهل المعاصي دون الإنكار والأخذ على يديهم فقال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال: ٢٥] وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» (٢) ولذلك فإن الأمر بالمعروف


(١) انظر فتح الباري (١٣/ ٥٢، ٥٣).
(٢) انظر فتح الباري (٥/ ١٣٢) كتاب الشركة.

<<  <  ج: ص:  >  >>