للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة (١) اهـ.

ومن الأدلة على أن من أنكر سلم ومن وافق بالرضى والسكوت أثم، ما حصل في غزوة تبوك عندما قال أحد المنافقين ما قال مستهزئا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه فكان معهم اثنان من الصحابة هما مخشي بن حمير وعوف بن مالك رضي الله عنهما على أرجح الروايات في ذلك، فمخشي سمع وسكت، فأنزل الله قول تعالى: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة: ٦٦] فعد من ضمن المنافقين لسكوته ومداهنته إياهم، ثم استثناه الله فعفى عنه تفضلا منه وكرما بعدما كاد أن يدخل في عداد المنحرفين، وهذا دليل على أن الشخص الذي لا يغضب لله ورسوله، ولا ينكر المنكر إذا سمعه أو شاهده أنه على خطر من الدخول مع أصحاب المعصية ومشاركتهم في الإثم والحكم والجزاء إن لم يتداركه الله بعفوه وغفرانه.

والصحابي الآخر وهو عوف بن مالك رضي الله عنه فما أن سمع هذا الكلام حتى غضب لله ورسوله وأظهر العداوة لهؤلاء ووصفهم بالنفاق والكذب وقابلهم بهذا الوصف، وأعلمهم أنه سيخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك وذهب فعلا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فوجد القرآن قد سبقه بذلك الخبر، فسلم من تبعة تلك المقالة بإنكارها والرد القوي على الباطل وأهله (٢).

وإنكار المنكر لا يلزم من منكره أن يكون سليما من المعاصي معصوما من الخطأ، فإنه يجب الأمر بالمعروف ولو كان الأمر متلبسا ببعض


(١) انظر الدرر السنية (١/ ٣٠).
(٢) انظر في ذلك تفسير القرطبي (٨/ ١٩٧، ١٩٨) وانظر تيسير العزيز الحميد (٥٥٧، ٥٥٨) وانظر مجموعة التوحيد (٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>