للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجهاد، فمر رجل بغار فيه شيء من ماء، فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار ويصيب ما حوله من البقل، ويتخلى عن الدنيا فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة» (١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» (٢).

فهذه الأدلة كلها تدل على عدم جواز التخلي عن المسلمين واعتزالهم في مجاهدتهم لأهل الكفر والضلال، وأن من لم يقف مع المسلمين وينحز إلى صفهم ويجاهد معهم عدوهم، وينصرهم عليه بكل ما يملك من قوة فإنه على خطر من خروجه من مسمى الإسلام حيث إن المسلم الحقيقي هو الذي يكون مع المسلمين كالعضو من الجسد كما يقرر ذلك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن يعتزل المسلمين في آلامهم وآمالهم فهو كالعضو البائن من الجسد أو كالعضو الميت من الجسم الحي وحينئذ فإن العضو الموصوف بتلك الصفة يعتبر وجوده كعدمه لعدم مشاركته للجسم في صفة الحياة وما يترتب عليها من تكاليف وواجبات وهكذا شأن من يهتم بنفسه فقط، غير مبالٍ بأمر المسلمين وقد ذكر الله عز وجل أن الاعتزال مناف لشرط الإيمان قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) [الدخان: ٢١] فمن اعتزل فليس بمصدق ومن آمن بنبي وجب عليه عدم اعتزال دعوته وأهل دعوته كما يفهم مما ذكره الله تعالى عن موسى وقومه.


(١) انظر تلبيس إبليس لابن الجوزي ص (٢٨٠) (ط١ إدارة الطباعة المنيرية).
(٢) رواه البيهقي في الشعب عن أنس مرفوعا، انظر كتاب جند الله ثقافة وأخلاقا سعيد حوى ص (١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>