للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا) [الأنفال: ٧٢] فيذكر أن القرآن أقر لهم بوصف الإيمان مع أنهم تركوا الهجرة خائفين ولم ينضموا إلى المسلمين بالمدينة وكتوضيح لهذا الكلام نقول:

أولا: إن الذين لم يهاجروا إلى المدينة لم يكن الخوف هو السبب في إقامتهم بمكة، وأنهم رغبوا بأنفسهم عن الاشتراك مع المسلمين لهذا السبب بدليل أن عامة كتب التفسير لم تذكر هذا السبب الذي جعله علة لإقامتهم (١).

ثانيا: إن الذين أقاموا بمكة من المستضعفين الذين عذرهم الله بالإقامة حيث إن الاستضعاف نوع من الإكراه (٢) بخلاف الخوف (٣) فإنه مغاير للاستضعاف فالإكراه هو إلزام شخص بما لا يريده، والخوف، هو ترك ما يريده الشخص خوفا مما لا يريده شخص آخر، فالإكراه شيء حاصل على الإنسان وواقع عليه، والخوف صادر منه في شيء لم يحصل له بعد، وقد دل القرآن الكريم على أن غير المستضعفين لم يعذروا بالإقامة بمكة بل أخبر تعالى بوجوب الهجرة عليهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا


(١) انظر تفسير القرطبي (٨/ ٥٦) وانظر تفسير الطبري (١٠/ ٣٦ - ٤٠) وانظر زاد المسير (٣/ ٣٨) وانظر مختصر تفسير ابن كثير للصابوني (٢/ ١٢١) وانظر في ظلال القرآن (٤/ ٧٢) وانظر تفسير آيات الأحكام محمد علي السايس (٣/ ١١).
(٢) انظر المعجم الوسيط (١/ ٥٤٢) وانظر فتح الباري (١٢/ ٣١١).
(٣) انظر المعجم الوسيط (١/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>