للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان بإمكان أولئك المجاهدين أن يلجئوا إلى الآيات والأحاديث التي قد يستوحى من ظاهرها جواز العزلة عن الصراع بين الحق والباطل، فيفسروا تلك النصوص على النحو الذي يعفيهم من تعب الجهاد ومشاقه المضنية ويريحهم من سياط المتسلطين ومعتقلات الطغاة المجرمين ولكنهم أدركوا أن هذا الطريق الذي سلكوه هو الطريق الصحيح، فمشوا فيه مستهينين ومستصغرين وصابرين على جميع العقبات التي تواجههم فيه حيث إن ذلك الطريق هو طريق الجهاد الموصل إلى مرضاة الله وجنته يقول أحد هؤلاء المجاهدين:

وسبيل دعوتنا الجهاد، وإنه ... إن ضاع ضاعت حرمة الأوطان

والموت أمنية الدعاة، فهل ترى ... ركنا يعاب بهذه الأركان؟ (١).

وسنعرض في هذا المبحث نماذج حية لرجال عمر الإيمان قلوبهم فلم يأبهوا بجاه أو سلطان، ولم يرضخوا لجبروت أو طغيان، بل لقد كافحوا الطغيان في أوج قوته وبطشه وقهروا الجبروت في عنفوانه وتطاوله ولم يكن لهم من سلاح سوى سلاح الإيمان الذي يعلو به المؤمن فوق كل سلاح لقد كان بإمكان هؤلاء جميعا أن يعيشوا مع أممهم وحكامهم بغير هذا الأسلوب وغير هذا الطريق، لو أنهم أرادوا العيش الرغيد والمتاع الزهيد الذي يتكالب عليه علماء السوء وسماسرة الطغاة، ولكنهم كانوا أكبر من أن تفتنهم الدنيا أو تقعد بهم الشهوات والشبهات، ومواقف العلماء في ذلك أكثر من أن تحصر ولكن حسبنا أن نذكر بعض الصور للذكرى إن الذكرى تنفع المؤمنين فمن هذه المواقف ما يلي:

أولا موقف سعيد بن جبير (٢) مع الحجاج:

كان سعيد بن جبير رحمه الله معروفا بشدة الورع والتقوى قد أوتي


(١) انظر شعراء الدعوة الإسلامية أحمد الجدع وحسني جرار (٥/ ٧).
(٢) هو سعيد بن جبير الأسدي الوالبي من أكابر أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما كان من أئمة الإسلام في التفسير والفقه وأنواع العلوم وكثرة العمل الصالح مات رحمه الله سنة (٩٥ هـ)، وله من العمر (٧٤) سنة انظر البداية والنهاية لابن كثير (٩/ ٩٨، ٩٩) وانظر الإسلام بين العلماء والحكام للبدري (١٣٨ - ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>