للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسانا ناطقا بالحق، وقلبا حافظا للعلم، وسرعة بديهة بإلقاء الحجة القوية في وجه الخصم، وكان الحجاج معروفا بالفسق والتعدي على حرمات الناس في أنفسهم وأموالهم، فخاف من وجود سعيد بن جبير بين الرعية نظرا لحبها له وثقتها به فقرر التخلص منه بالترغيب والترهيب.

فقد حمل سعيد بن جبير إلى الحجاج ولما دخل عليه سأله الحجاج عدة أسئلة كلها سخرية وتبكيت واستهزاء فرد عليه سعيد ردًا مفحمًا.

ثم أمر الحجاج بطبق مملوء باللؤلؤ والزبرجد، والياقوت فجمعه بين يده لعل ذلك يغري سعيد بن جبير فيكون ثمنا لصمته وسكوته، ولكن سعيدا أدرك الهدف من ذلك وقال للحجاج: إن كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ولا خير في شيء للدنيا إلا ما طاب وزكا (١).

فلم ينفع الحجاج هذا الإغراء بالمال والذهب، فليس ابن جبير من عباد المال، ولا من الذين يبيعون دينهم بدنياهم، ولذلك ضاق الحجاج ذرعا بسعيد فقال له: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك؟ فقال سعيد: اختر أنت لنفسك فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة، فقال: أتريد أن أعفو عنك؟ فقال: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر.

فأمر به الحجاج فذبح من الوريد إلى الوريد ولسانه رطب بذكر الله (٢).


(١) انظر الإسلام بين العلماء والحكام (١٤١).
(٢) انظر وفيات الأعيان لابن خلكان (٢/ ١١٢) وانظر الإسلام بين العلماء والحكام عبد العزيز البدري (١٣٨ - ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>