للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندما أجاب الكفار إلى التلفظ بكلمة الكفر بعد تعذيبه واستشهاد والديه، ثم إنه لما قال هذه الكلمة التي طلب الكفار منه أن يقولها أتى بعد قولها وهو يبكي حزنا وغما على موافقتهم فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن عادوا فعد» (١).

ثالثًا: إن المستضعفين بمكة لم يكن منهم مجاراة للكفار في كل ما يريدون بحجة الاستضعاف أو الإكراه، فهم لم يسجدوا لصنم ولم يشربوا خمرا، ولم يرتكبوا فاحشة إرضاء للكفار، وكل ما فعلوه هو أنهم أقاموا مع الكفار في دارهم، مع أنهم أحاطوا أنفسهم بعزلة قولية وفعلية عن الكفار وما يعبدون من دون الله.

أما ما ورد في بعض روايات أسباب النزول من أن سبب نزول قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: ٩٧] هو أن بعض المسلمين المستضعفين في مكة أجبرهم الكفار على الخروج معهم إلى معركة بدر فقتل عدد منهم فأنزل الله هذه الآية (٢).

فالصحيح أن الذين خرجوا مع الكفار ليسوا من المستضعفين للأسباب الآتية:

١ - إن الكفار لم يكرهوا من خرج من المسلمين مع المشركين في بدر إكراها ملجئا بدليل أن الروايات تذكر عن ابن عباس قوله: أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣) فأنزل الله قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ


(١) انظر تفسير القرطبي (١٠/ ١٨٠).
(٢) انظر الصحيح المسند من أسباب النزول مقبل بن هادي الوادعي (٥١).
(٣) رواه البخاري انظر فتح الباري (٨/ ٢٦٢) كتاب التفسير (٤٥٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>