للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعدو الذي يتقى شره نوعان:

(١) عدو سبب عداوته على الأغراض الدنيوية، فإذا كانت العداوة بسبب المال أو المنصب أو أذى النفس فهو حق راجع للإنسان نفسه، فإن داراهم بترك بعض حقه لهم فهو جائز، لأن ذلك الترك لا يلحق الدين منه نقصان مباشر (١).

(٢) عدو سبب عداوته الاختلاف في الدين، والعداوة من هذا النوع توجب على المسلم الهجرة من ذلك المكان إلى مكان يستطيع فيه إظهار دين الله، أما إذا لم يستطع لكونه ممن رخص الله لهم من العجزة والنساء والصبيان الذين أذن الله لهم بالبقاء مع الكفار نظرا لأنهم من المستضعفين أو لم يجد مكانا يستطيع أن يتجه إليه ليظهر فيه دين الله، كما هو واقع المسلمين اليوم في عامة بلاد المسلمين، جاز له المكث بين الكفار والموافق لهم ظاهرا بقدر الضرورة مع السعي الجاد لتغيير الواقع الجاهلي الذي يعيش فيه إلى صالح الإسلام والمسلمين، فإن عجز سعى في حيلة للخروج والفرار بدينه من هذه القرية الظالم أهلها، فإن عجز عن الخروج جاز له موافقة الكفار في الظاهر دون الباطن على الأمور القولية، دون الأعمال الفعلية، والموافقة لهم بهذه الشروط حينئذ رخصة، وإظهار ما في قلبه من عزيمة فلو جاهدهم فقتل فهو شهيد كما سيأتي بيان ذلك قريبا بإذن الله تعالى في ثنايا هذا المبحث.

ثانيًا: إن المراد بالآية في قوله تعالى: (إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) الإكراه على التلفظ بكلمة الكفر عندما يكون المسلم بيد الكفار يعذبونه على ذلك، فيجوز أن ينطق بكلمة الكفر ترضية لهم، إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، وذلك مثل ما حصل مع عمار بن ياسر رضي الله عنه


(١) انظر فتح الباري (٥/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>