للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضرب أو الحبس أولى من الأخذ بالرخصة وإجابة الطالب إلى ما طلب من محرم تحت وطأة الإكراه، وقد استدل أصحاب هذا القول بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون (١).

ففي هذا الحديث وفي قصة بلال، ووالدي عمار سمية وياسر وقصة خباب بن الأرت في بطحاء مكة، وخبيب بن عدي وقصة أصحاب الأخدود وقصة الإمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم ممن صبروا على العذاب في سبيل الله أكبر دليل على أن الصبر على الأذى أولى لمن وثق من نفسه في قوة التحمل وصلابة العقيدة (٢).

إن قمة الإيمان تتمثل بأولئك الذين بلغوا القمة في الصبر والتضحية واليقين، ولم يدفعهم الخوف أو الإكراه إلى تنفيذ أوامر الطغاة والظلمة والمجرمين فلم يهرولوا أمام أعداء الإسلام ويلهثوا تحت أقدامهم، ويكيلوا لهم المدح الكاذب وينفذوا أوامرهم في معصية الله، فما ظنك بمن ينفذ


(١) رواه البخاري انظر فتح الباري (١٢/ ٣١٦) باب الإكراه.
(٢) انظر المغني والشرح الكبير (١٠/ ١٠٧) وانظر تفسير القرطبي (١٩/ ٢٨٦ - ٢٩٤) وانظر في ظلال القرآن، سيد قطب (م٨/ج ٣٠/ ٥٢٨ - ٥٣٠) وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (٢/ ٩٨ - ١٠٠) وانظر تفسير الأحكام، محمد على السايس (٣/ ٥٤، ٥٥) وانظر روائع البيان في تفسير آيات القرآن محمد علي الصابوني (١/ ٤٠٢، ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>