فإن قال قائل: كيف يمكن إظهار البغض للفساق الذين يجمعون بين صفات حسنة وأخرى سيئة؟
والجواب: كم يظهر لي أن إظهار البغض لهؤلاء ليست له قاعدة مطردة: بل الأمر يختلف باختلاف الأشخاص الواقعين في المعصية، وباختلاف المعاصي، وباختلاف الأشخاص المظهرين للبغض كذلك.
فهذه المسألة شبيهة بمسألة المريض والمرض والطبيب فالمرض شيء موجود، ولكن لكل مرض علاج وعلاج المرض الواحد يختلف باختلاف المرضى، وباختلاف الأطباء فتكون المسألة مسألة اجتهادية في حدود السياسة الشرعية، ولكن إذا اقتضى الأمر إظهار البغض فإن إظهاره تارة يكون بالقول، وتارة بالفعل، وتارة بهما جميعًا.
فأما إظهار البغض بالقول فيكون بكف اللسان عن مكالمته ومحادثته مدة، أو بالاستخفاف به والتغليظ له في القول تارة أخرى، وأما إظهار البغض بالفعل، فبقطع السعي في إعانته مرة، وبالسعي في إساءته وإفساد مآربه مرة أخرى، ويكون تارة بإظهار الأعمال الصالحة التي تغيضه، وتنغص عليه حياته المتعفنة، وهذه الأمور بعضها أشد من بعض، ولكن يجب ربط هذه الأمور بشيء واحد، وهو أن الإنسان ينوي بهذه الأعمال، والأقوال إظهار البغض في الله، مع محاولة إشعار الطرف الثاني بأن التعامل معه على هذا الأساس إنما هو من منطلق المعاداة في الله، لا لمصالح ذاتية عاجلة ولا لأغراض شخصية، فلعل إظهار البغض بهذه الصفة يحقق الأغراض التأديبية المطلوبة في ذلك وإن كان الطرف الآخر قد يصور العداوة والبغض في الله، بأنهما عداوة شخصية، إما جهلاً، وإما تضليلاً وعنادًا، ولكن لا يضير ذلك المسلم الواثق في سلامة قصده وإخلاص ضميره لله، فإن كل إنسان يفسر تعامل الناس معه على حسب غايته وهواه، ولكن العدل هو تنزيل الإنسان حسب منزلته في القرب أو البعد عن الإسلام.