للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوافق النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك. بل رفض هذا الاقتراح أيضًا قائلاً لعمر ... «ترعد له (إذن) أنف كثيرة بيثرب»، وكان يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله هذا لعمر ... إن قتل عبد الله بن أبي على هذه الصورة قد يكون سببًا في إثارة حرب أهلية بين المسلمين، لأنه كان يتوقع غضب رجال كثيرين من الخزرج لقتل زعيمهم، لا سيما وأن كثيرًا منهم لا يعلمون حقيقة نفاقه (١).

ولا يجوز أن نطلق على من تظهر عليهم علامات النفاق أوصاف التبجيل والتفخيم فقد ورد في الحديث «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل» (٢) وترك استعمال مثل هذه الألفاظ دليل على جواز البغض له لما يظهر عليه من صفات النفاق ولكن هذا البغض لا يصل إلى درجة الإنكار بالوصف إلا إذا ثبت لزوم الصفة للموصوف بها كما حصل من عوف بن مالك للمنافق الذي ذم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولا يجوز أن يترتب على عمل المنافق جزاء، إلا إذا عمل المنافق أو المنافقون عملاً يراد به زعزعة الدعوة وإفسادها، مثل بناء المنافقين لمسجد الضرار فإنه لما كان هذا العمل لم يرد به وجه الله وثبت ذلك بطريق الوحي قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهدمه، وإزالته قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (٣) فإذا فعل المنافقون فعلاً مناهضًا للإسلام وأهله، وثبت الدليل على ذلك وجب تعزيرهم على ذلك بما يحفظ للإسلام والمسلمين عزتهم وكرامتهم، وذلك مثل ما حصل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك حيث بلغه أن أناسًا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، يثبطون الناس


(١) المصدر السابق ص١٠٣.
(٢) رواه البخاري في الأدب المفرد. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ج١ ص١٠١ رقم الحديث (٣٧١).
(٣) سورة التوبة آية (١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>