للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الثانية: أن يكون البغاة قد تظاهروا باعتقادهم، وأعلنوا عصيانهم، بلا قوة يستخدمونها، وهم مع ذلك على اختلاطهم بالأمة وامتزاجهم بالرعية، وذلك مثل ما يحصل في بعض البلاد الإسلامية من تجمعات ومظاهرات يراد بها الاستنكار والاحتجاج بأسهل الطرق وأيسرها، للتعبير عن الرأي بغض النظر عن صواب هذا الرأي أو خطئه، ففي مثل هذه الأحوال، يجب على الحاكم والأمة دعوة هؤلاء إلى تحكيم كتاب الله بينهم في محكمة نزيهة ذات استقلالية كاملة تامة في اتخاذ الأحكام وتنفيذها عملاً بقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) فيوضح لهم إذا كانوا بحق بغاة فساد اعتقادهم، وخطأ فهمهم ليرجعوا إلى الاعتقاد الحق، وموافقة الجماعة، فإن أبوا بعد الدعوة والإقناع والتحكيم، جاز للإمام أن يعزر فقط من تظاهروا بالعناد والعصيان، أدبًا وتعزيرًا، يتناسب مع الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء، وهذا التعزير والتأديب لا يقرره الحاكم بنفسه وهو لا يفقه من أحكام الإسلام شيئًا، وإنما تقرره السلطة القضائية من واقع التشريع الإسلامي بحيث لا تصل العقوبة التعزيرية في مثل هذه الأحوال إلى القتل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة» (١).

الحالة الثالثة: أن يكون البغاة قد اعتزلوا الإمام الحق، وتحيزوا بدار قد تميزوا فيها عن بقية الأمة، ففي هذه الحالة ينظر في أمرهم، فإن لم يمتنعوا من تأدية حق، ولم يرفضوا أمر طاعة، لم يحاربوا، ما داموا مقيمين على الطاعة، وتأدية الحقوق، وقد استدل على ذلك أن طائفة من الخوارج الذين خرجوا على علي (رضي الله عنه) أقاموا بالنهروان، فأرسل إليهم علي عبد الله بن خباب عاملاً عليهم، فأقاموا على طاعته زمانًا، وهو لهم موادع (٢).


(١) رواه مسلم. انظر صحيح مسلم ج٣ ص١٣٠٢ – ١٣٠٢.
(٢) انظر الأحكام السلطانية/ للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص٥٨ - ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>