للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الإسلام لا يقر الظلم لأهل الذمة ولا يعمل على إذكاء العداوة ضدهم، ولا يبني سياسته على تعمد إهانتهم وعزلهم عن المجتمع (١). ولكنه في نفس الوقت، لا يتميع في التعامل معهم حتى يطغى باطلهم على الحق، ويعلو كفرهم على شرع الله، وإنما يتعامل معهم وفق شروط معتدلة، تحفظ للمسلمين دينهم، وتحفظ لأهل الذمة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وهذا الذي يقدمه الإسلام لمخالفيه في العقيدة من أهل الذمة، لا يمكن أن يقدمه أي مبدأ من المبادئ الجاهلية، لمن يخالفونه في الرأي فضلاً عمن يخالفونه في الاعتقاد.

وما ورد في الكتاب والسنة مما قد يفهم منه خطأ قصد الإهانة والاحتقار للكفار من أهل الذمة فإن المقصود بذلك هو ألا يظن أولئك أو يظن أحد من المسلمين أن الذميين ومن في حكمهم تجب معاملتهم على غرار معاملة المسلمين سواء بسواء، وهذا أمر غير مقبول حيث لا مساواة بين الكفر والإسلام. فالإسلام يعتبر أهل الذمة في داخل الدولة الإسلامية مواطنين من الدرجة الثانية، ولكنه يحقق لهم قدرًا من الحماية والرعاية قلما يتوفر لهم في ظل أنظمتهم الجاهلية نفسها.

وقد اختلف العلماء في معنى الصغار المذكور في قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (٢). على قولين:

القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى تفسير الصغار بأنه نوع من الإهانة والإذلال الفعلي، ولكن هذا القول لا دليل عليه، ولا هو مقتضى الآية ولا نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته أنهم فعلوا ذلك (٣).


(١) انظر التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام/ محمد الغزالي ص٣٨.
(٢) سورة التوبة آية (٢٩).
(٣) انظر أحكام أهل الذمة/ ابن قيم الجوزية ج١ ص٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>