للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: إن الصغار المذكور في الآية هو التزامهم لجريان أحكام الملة عليهم، وإعطاء الجزية فإن التزام ذلك هو الصغار (١). وهو الصواب في نظري والله أعلم.

وقد خص بعض العلماء جواز الإذلال والامتهان الفعلي عند عدم الدفع للجزية فإنه يجوز تعزير الممتنع عن دفع الواجب بدون عذر شرعي مقبول (٢).

وقيل أنه لما كان في المفهوم العام أن يد المعطي العليا ويد الآخذ السفلي، أمر المسلمون بعكس ذلك بأن يأخذوها على وجه تكون فيه يد المعطي السفلى ويد الآخذ العليا، وفي ذلك دلالة على أنه لا يجوز وضع أهل الذمة ومن في حكمهم من المستأمنين في مرافق الدولة التي يظهرون فيها تكبرهم، واستعلاءهم على المسلمين، فإنه في هذه الحالة تنعكس الصورة، حيث يصبح الكفار هم الأعلون والمسلمون في موقع الذلة والصغار، وهذا ما حذرنا الله عنه في قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣) ولذلك قال الفقهاء: إذا وجدت مثل هذه الحالة فإن الكفار الذين هم بهذه الصفة لا حرمة لهم في دمائهم وأموالهم لأن الله تعالى مدَّ أمد القتال إلى غاية وهي إعطاء الجزية مع الصغار، فإذا كانت حالة الذميين منافية لذلك في دار الإسلام، فلا عصمة لأموالهم وأنفسهم وليست لهم ذمة (٤). حيث قد اشترط عمر رضي الله عنه تلك الشروط التي فيها الذل والصغار لهم، فمتى خرجوا على تلك الشروط فلا عهد لهم ولا ذمة (٥).


(١) المصدر السابق نفس المكان.
(٢) المصدر السابق نفس المكان.
(٣) سورة آل عمران آية (١٣٩).
(٤) انظر أحكام أهل الذمة/ ابن القيم الجوزية ج١ ص٢٤ - ٢٥.
(٥) المصدر السابق ج٢ ص٦٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>