للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرى أن ترحل حتى نرى نواصي الخيل: قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم. قال: فإني أنهاك عن ذلك (١).

وبناء على ذلك فإن الكفار المسالمين المحايدين لا تجب معاداتهم ولا تصح موالاتهم، وإنما يعاملون بالعدل والإحسان والبر، فلا يعادون عداوة المحاربين ولا يوالون موالاة المؤمنين وإنما يجوز معهم التعامل على أساس العدل والصلة بالمعروف وكف الأذى والعدوان عنهم، ما دام أنهم يبادلون المسلمين هذا الشعور، ويقفون منهم ذلك الموقف المتسامح الذي ينبئ عن مبدأ قبول الدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وهذه هي الغاية التي يريدها الإسلام في الدعوة والجهاد، فإذا توفرت في قوم وجب الكف عنهم واحترام حقوقهم إذا كانوا يحترمون المسلمين، ويلتزمون بموقف الحياد من الإسلام وأهله التزامًا حقيقيًا صادقًا لا مراوغة فيه ولا احتيال.

وإذا حصل نزاع بين الكفار بعضهم مع بعض فإنه يجوز للمسلمين تأييد أحد الطرفين على الآخر تأييدًا معنويًا وذلك مثل ما حصل من الحرب بين الفرس والروم، فعندما هزم الفرس الروم في أول الأمر فرح كفار مكة وقالوا للمسلمين لقد هزم إخواننا الفرس إخوانكم من أهل الكتاب حيث كان كفار قريش يوالون الفرس نظرًا إلى أنهم جميعًا أميون وكان المسلمون يقفون بمشاعرهم مع الروم لأنهم أهل كتاب فدارت المعركة مرة أخرى وانتصر الروم على الفرس وفرح المسلمون بذلك (٢). ونزل في ذلك قوله تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٣).


(١) انظر تهذيب سيرة ابن هشام/ عبد السلام هارون ص١٩٤.
(٢) انظر تفسير ابن كثير ومعه تفسير البغوي – معالم التنزيل – ج٦ ص٤١٢ – ٤١٦ – (ط – ١ – مطبعة المنار بمصر – ١٣٤٧هـ).
(٣) سورة الروم آية (١ - ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>