للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجميع الروايات المروية عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بطرقها المختلفة تؤكد الالتزام بمعنى هذه الآية، وتوصل هذا المفهوم بما لا يدع مجالاً للشك أو التردد، من أن الاستعانة بغير المسلمين لا تجوز إلا عند الضرورة القصوى وبقدر ضئيل لا يشكل خطرًا أو ضررًا على الإسلام والمسلمين وقد عد ابن تيمية الاستعانة بالنصيريين من أكبر الكبائر مع أنهم يدعون الإسلام. فكيف بالكفار الصرحاء الذين يعلنون كفرهم وعداوتهم للإسلام والمسلمين (١). اهـ.

ولكن المسلمين قد تجاوزوا هذا الحكم كما تجاوزوا غيره من الأحكام الشرعية وتذللوا مع أعداء الله أكثر مما يجب لدرجة أن أحد كتاب الغرب أنفسهم وهو (آدم متز) أحد مؤرخي الغرب يقول: «من الأمور التي نعجب لها كثيرًا كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في أمور الدولة الإسلامية» (٢).

وهذا يدلنا على أن الدولة الإسلامية قد فتحت صدرها بكل رحابة لغير المسلمين وأشركتهم في إدارة شئونها وهي تعلم أنهم يخالفونها في العقيدة والغاية، وهذا الموقف هو أقصى درجات التعاون مع المخالفين في العقيدة والتسامح معهم ولكن ذلك كله ما كان يقابل من أهل الذمة بالاستحسان والاعتراف بالجميل بل كان البعض منهم يستغل هذا التسامح لتهييج روح الانتقام والتسلط على رقاب المسلمين وهذا ما حصل في الأيام الأولى من خلافة الآمر بأمر الله، فقد كان أحد الذميين كاتبًا للخليفة، فآذى المسلمين واحتكر الوظائف والمصالح لأهل ملته، وعندما أحس بتمركزهم وخوف انتقام المسلمين منهم جمع أبناء ملته وخطب فيهم قائلاً: نحن ملاك هذه الديار وقد أخذها المسلمون منا وتغلبوا عليها واغتصبوها من أيدينا فنحن


(١) انظر مختصر الفتاوى المصرية/ لابن تيمية ص ٤٧٦.
(٢) انظر كتاب الإسلام انطلاق لا جمود. د/ مصطفى الرافعي ص١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>