وهو من كان سفره لحاجة دنيوية كتجارة أو علاج وهو عارف لدينه بأدلته آمن من الفتنة، مظهر لدينه بعداوة الكفار والبراءة منهم، قادر على التأثير في الكفار دون التأثر بهم، وهذا ما حصل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد سافر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام في تجارة، وهذا السفر دليل قاطع على جواز السفر إلى الكفار والتجارة معهم. فإن قيل، كان ذلك قبل النبوة، فالرد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتدنس قبل النبوة بحرام، ولا اعتذر عن ذلك حين بُعِثَ، ولا منع أحدًا من الصحابة في حياته ولا منع ذلك أحد من خلفائه بعد وفاته.
فقد كانوا يسافرون في فك الأسرى، وفي حمل الرسائل إلى ملوك أهل الأرض، فقد أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان (رضي الله عنه) إلى أهل مكة وهم أهل حرب للإسلام والمسلمين فدل ذلك على أن السفر لغرض مباح يكون مباحًا ولغرض مستحب يكون مستحبًا (١).
وقد كان للتجار المسلمين تأثير عظيم على كثير من البلدان التي ارتحلوا إليها، فحملوا معهم بضاعة الدعوة إلى الله بجانب البضائع الدنيوية فكانوا بذلك فاتحين لبلاد لم تطأها أقدام الجيوش الإسلامية، وإنما انتشر الإسلام فيها بفضل الله ثم بفضل أولئك الذين حملوا الإسلام بأقوالهم وأفعالهم فكانوا قدوة حسنة ومثلاً أعلى يقتدي بهم، ومن هذه البلاد أندونسيا وماليزيا ومعظم الدول الواقعة في شرق وجنوب آسيا ووسط أفريقيا وشرقها مثل تشاد ونيجيريا ويوغندا والسودان والصومال وما حولها.
القسم الثالث: ما يكون سفره وإقامته في بلاد الكفار حرام وكبيرة من كبائر الذنوب، وذلك من كان سفره لحاجة دنيوية وهو عارف لدينه بأدلته آمن من الفتنة، ولكنه غير قادر على إظهار دينه وتأدية شعائر الإسلام علانية وبحرية تامة، من فعل للواجبات وترك للمحرمات، وإظهار البغض والعداوة للكفار والبراءة منهم، فهذا لا يكون سفره وإقامته بين الكفار كفر ولكن