للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا على مخالطة الكفار في ديارهم حال ظهورهم وغلبتهم على أهل الإسلام أو كونهم هم أهل الغلبة والسلطان في بلادهم (١).

ولا شك أن مخالطة الكفار ومعاشرتهم بغير نية دعوة، وصلابة عقيدة وسيلة من الوسائل المحرمة، والوسائل تتخذ حكم غاياتها، فأكثر المسافرين والمخالطين والمعاشرين لأهل الكفر هم من الغوغاء والعوام من المسلمين وغالبًا أن هؤلاء لا يعرفون ما أوجب الله عليهم من معاداة المشركين، ولا ما حرم الله ورسوله من موالاتهم، وأن منها ما يخرج من الملة ومنها ما هو دون ذلك (٢). وقد يستدل البعض الآخر على جواز مساكنة الكفار والإقامة معهم بهجرة المسلمين إلى الحبشة والإقامة بين الكفار، ونحن نقول إن الذهاب من حيث المبدأ إلى الكفار جائز بشرط إظهار الدين علانية ومعاداة المشركين لأن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا كذلك، فإن النجاشي أظهر الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن حين قرأ عليه جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) صدر سورة مريم أذعن وصدق، وأظهر المخالفة لقومه.

وأيضًا فإن قريشًا لما بعثوا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) قبل إسلامه إلى النجاشي ليرد من هاجر إليه من المسلمين غضب النجاشي غضبًا شديدًا حتى خاف عمرو أن يوقع به ورد هدايا قريش إليها وقال مخاطبًا لجعفر وأصحابه «اذهبوا فأنتم سيوم (٣) بأرضي من سبكم غرم» (٤). فأظهروا دينهم ووحدوا ربهم ولم يمنعهم منه أي مانع، ولم يعارضهم معارض، ولم يحصل منهم موالاة أو ركون لمن كان هناك من النصارى


(١) انظر الجواب الفائض في الرد على أرباب القول الرائض/ سليمان بن سحمان الدوسري ص٣٣ مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات برقم (٣٤١٣).
(٢) المصدر السابق ص٤٢.
(٣) سيم من سوم الماشية إذا أرسلها، وسوّم فلان فلانًا، خلاه وما يريد. المعجم الوسيط ج١ ص٤٦٨.
(٤) انظر الدرر السنية ج٩ ص١٩٧ - ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>