للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن المعلوم أن عداوة المشركين واجبة على كل مسلم في كل زمان ومكان وعداوة القلب وبغضه لا تكفي في إبراء الذمة عند مساكنة الكفار ومخالطتهم، بل لا بد من إظهار العداوة لهم، ولكفرهم بالقول والفعل كما قال تعالى: في شأن إبراهيم عليه السلام (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (١). فلا بد من إظهار العداوة والبغضاء للكفار، والتصريح لهم بالبراءة منهم ومما يعبدون، سواء كان المسلم بدار الإسلام أم بدار الكفر، إلا عند وجود الإكراه المجلئ الذي يحمل الإنسان على موافقة الكفار في الظاهر دون الباطن، أو كان من المستضعفين المعذورين عند الله، وفيما عدا هذه الحال لا يجوز للمسلم المقام بين الكفار وهو غير مظهر للدين مع أنه حر طليق قادر على الانتقال عنهم ومفارقتهم، فالعذر في موافقة الكفار في الظاهر دون الباطن خاص بالأسير المسلم ونحوه الذي أمره ليس بيده، وإنما أمره بيد الكفار، وهذا لا ينطبق على الذين يسافرون إلى بلاد الكفار ويقيمون بينهم برغبتهم، وهم قادرون على تركها في أي وقت شاءوا فهؤلاء لا عذر لهم في مداهنة الكفار وموافقتهم في الظاهر وإن خالفوهم في الباطن.

وقد يقول قائل أنا لا أتبرأ من المشركين ولا أعاديهم لأن هذه الآية وغيرها من الآيات ليست نصًا في الحكم على من لم يعاد المشركين.

والجواب: أن يقال: إن قولك هذا رد على الله وخروج من الدين، لأن الله عز وجل يقول: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (٢).


(١) سورة الممتحنة آية (٤).
(٢) سورة المجادلة آية (٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>