للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبين سبحانه وتعالى في هذه الآية أن إغاظة الكفار والنيل منهم وخاصة الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين، أمر مقصود من الشارع الحكيم، فإغاظتهم لا تأتي إلا عن طريق البغض والعداوة لهم ولكفرهم وهذا البغض هو الذي يولد الرغبة في حربهم بلا هوادة، ولا تميع، ولا تراجع، ولا استسلام ومفهوم المخالفة في هذه الآية يدل على أن الذي لا يغيظ الكفار ولا ينال منهم، ويتولاهم ويحرص على رضاهم، يكتب له بذلك عمل فاسد، لأنه على النقيض من صفات المحسنين أعاذنا الله من ذلك (١).

الدليل الحادي والعشرون: قول الله تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [هود: ٤٥، ٤٦].

ففي هاتين الآيتين تبيان أن لا موالاة بين المسلم والكافر، ولو كان هذا الكافر ابنا للإنسان قد خرج من صلبه وغذاه من كسبه فما حجة الذين يوالون الكفار، المحاربين لله ورسوله والمؤمنين، وهم لا يرتبون بهم بنسب ولا سبب مباح (٢).

الدليل الثاني والعشرون: قول الله تعالى: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [هود: ١١٣].

فذكر تعالى أن الركون إلى الظلمة من الكفار الصرحاء، والكفار المدلسين أو الظالمين مطلقا موجب لمسيس النار وعذابها، ولم يذكر سبحانه


(١) انظر تفسير الطبري (١١/ ٤٧) وانظر في ظلال القرآن (١١/ ٣٥٢).
(٢) انظر في ظلال القرآن (١٢/ ٥٦٠، ٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>