للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال بعضهم: إذا ورد النص في شرعنا، حكاية عن شرع من قبلنا على جهة الاستدلال والإقرار من غير إنكار، تقرر ضمنًا الاستدلال به والعمل بموجبه (١). وهذا هو المفهوم من قصة يوسف مع عزيز مصر كما أعتقد والله أعلم بالصواب. والذي أرجحه في هذه المسألة، هو أن ينظر المسلم الذي يريد أن يعمل عند الكافر أو من في حكمه من المرتدين - إلى نوع العمل هل هو من الأعمال التي ينظر إليها حسب العرف الشرعي بأنها أعمال فيها امتهان للكرامة وقضاء على العزة أم لا؟ فإن كان العمل مثل الكتابة والتعليم والنيابة في البيع والشراء ونحو ذلك فلا بأس بها ما دام يعمل بعزة وكرامة وهو قادر على ترك العمل عند رؤية أية إهانة أو جفاء. أما الأعمال التي تشعر بالذلة والامتهان والاحتقار، فلا يجوز للمسلم مزاولتها عند الكفار وما دونهم من الظلمة وأهل الفسوق نظرًا لقضائها على عزة المسلم التي أمر الله بالمحافظة عليها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٢) فإعزاز المسلم لنفسه إعزازًا لدينه وإهانته لنفسه إهانة لما يحمله من مبدأ وعقيدة في الحياة.

ومن أمثلة الأعمال التي يكون فيها إهانة للمسلم عند أعداء الله أن يعمل لديهم طباخًا أو حمالاً أو غسالاً، أو عامل نظافة أو نحو ذلك، أو أن يعمل لهم ما هو من شعائر كفرهم وخصائص ملتهم، كأن يكنس كنائسهم أو يذبح لهم خنزيرهم، أو يصنع لهم الخمر أو يقدمها بين أيديهم. فقد سأل الإمام أحمد بن حنبل رجل بناء فقال: «أأبني للمجوس ناووسا (٣)؟ قال لا تبني لهم، ولا تعنهم على ما هم فيه من كفر» (٤). اهـ.


(١) انظر الحسبة أو وظيفة الحكومة الإسلامية/ ابن تيمية ص٨.
(٢) سورة المنافقون آية (٨).
(٣) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم/ ابن تيمية ص٢٣٢.
(٤) الناووس صندوق من خشب أو نحوه يضع النصارى فيه جثة الميت. انظر المعجم الوسيط ج٢ ص٩٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>