والدعوة، ترك الدعوة تركا كليا أو تركا جزئيا بحيث لا يتعرض الدعاة إلى مصالح ومظالم وتسلط صاحب السلطان وبحيث لا تشكل الدعوة خطرا على وجوده ووجود أسياده، وقد يستجيب لذلك كثير من حملة الأقلام في النحور، والكتب في الصدور الذين هم مطية لكل متغطرس جبار، والبعض منهم يبرر ذلك بأن مصلحة الدعوة في كسب أصحاب المناصب العليا، ولو كانوا هم المحاربين للإسلام والمسلمين، والبعض الآخر يغريه الكسب المادي ولو كان هذا الكسب على حساب التنازل عن جانب أو جوانب متعددة من أركان الإسلام وواجباته، وهم بذلك يظنون أنهم يخدعون غيرهم، وما أدرك هؤلاء أن غيرهم يمكر بهم ويصطادهم من حيث لا يشعرون ذلك أن أصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات، ويغرونهم بالأسعار المرتفعة لكلماتهم، حتى يتنازلوا عن جوانب من هذا الدين، ويصدروا لهم الفتاوى التي تحل ما حرم الله، أو تحرم ما أحل الله، عند ذلك يفقد أدعياء العلم هيبتهم، وحصانتهم عند صاحب السلطان وعند الناس عامة، ويكون صاحب السلطان قد حقق مقصده فيهم بتلويث سمعتهم وسمعة الدعوة التي يمثلونها، ثم يرميهم كما ترمى الثياب الخلقة البالية، لا يؤبه لهم في قول أو فعل، إن الواجب على كل مسلم هو عدم التنازل عن شيء من دينه وعقيدته تحت وطأة الأغراءات المتعددة التي يلوح بها الكفار.
إن الركون اليسير من شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو تم لكان نتيجته عذاب الدنيا والآخرة، فما ظنك إذا كان ذلك الركون ركونا تاما وتوليا عاما ومن شخص أبعد ما يكون عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ألا يكون ذلك كفرا وخلودًا في النار (١).
الدليل السادس والعشرون: قول الله تعالى عن أهل الكهف (وَإِذِ
(١) انظر تفسير القرطبي (١٠/ ٣٠٠) وانظر في ظلال القرآن (١٥/ ٣٥١، ٣٥٣).