(٣) أصول المعاني التي يُدَلُّ عليها بالألفاظ في الجملة الكلامية
بعد ملاحظة إرادة التعبير في الجملة الكلاميّة عن ربط شيءٍ بشيء لعلاقةٍ ما قامت بينهما، كالأكل والآكل، والنوم والنائم، والجمالِ والجميل، والْقِدَم والْقَدِيمِ والحدوثِ والحادث، والوجود والموجود، والعدم والمعدوم، وأيّةٍ صفةٍ والموصوف بها، وأيِّ حدثٍ ومَنْ فعله أو قام به، وزمانِ الحدث، وكانهِ، وآلته، وسببه، والباعث إليه، والغاية منه، وحُدود كلّ شيءٍ يُشار إليه بالعبارة الكلاميّة من كلّ ذلك، وقيودِهِ الوصفية الثابتة والمتحوّله، تظهر لنا مِنْ أصول المعاني التي يرادُ الدّلالة عليها بالألفاظُ طائفة يَسْهُلُ تمييزها وإحصاؤها، وتَبْقَى طائفةٌ أخرى يصْعُبُ وضْعُها في مواضِعِها من الشجرة الفكريَّة لأصول المعاني.
وأكتفي هُنَا بتوجيه نظرات تحليليّة لبعض أصول هذه المعاني، وتفرُّعها من شَجَرَتِها الفكريّة.
وأرى أنّها تبدأ من تلاقي زَوْجين: الشيء الّذي يُتَصَوّرُ أنَّهُ يقوم بنفسه، وهو ما يطلق عليه في اصطلاح الفلاسفة "الجوهر" والوصف الذي يُتَصَوَّرُ أنّه لاَ يقوم بنفسه، وهو ما يُطْلق عليه في اصطلاح الفلاسفة "الْعَرَض".
وتدعو الحاجة في الكلام إلى أن يُعَبَّر به عن الشيء والوصف الذي قام به، أو عن الوصف والموصوف به، وهنا تظهر لنا أدنى النِّسبِ التي يُعَبَّر عنها بالكلام، فذكر شيء ما يستدعي ذكر الصفة الّتِي دعت إلى ذكره، وذكر وصفٍ ما يستدعي ذكر الموصوف به.
فظهر لنا بهذا عنصران أساسان هما من أصول المعاني التي يُعَبَّر عنها بالكلام.
* الشيء. "= الجوهر" وهو يشمل الفاعل والمفعول به من حيث المعنى.