للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف مقتضى الظاهر، وهذا يُسمَّى: "إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر".

ولإخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر عدّة صور:

الصورة الأولى: أن يُنَزَّل خالي الذهن منزلة المتردّد السائل الذي يَطْلُبُ تأكيد الخبر له، وذلك إذا شَعَرَ من مقدّمات الكلام بما يُشير إلى مضمون الخبر، فاستشرفت نفسه وتتطلَّعَتْ تطلُّع المستغرب المتردّد في قبول الخبر، أو الطالب لما يُؤكّده له.

* فمن أمثلة هذه الصورة قول الله عزّ وجلّ بشأن نوحٍ عليه السلام، في سورة (هود/ ١١ مصحف/ ٥٢ نزول) :

{وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} [الآيات: ٣٦ - ٣٧] .

من الظاهر أنّ مُقدّماتِ الكلام تُشْعِرُ بأنّ الله عزّ وجلّ قضى أنْ يُغْرِقَ مَنْ لمْ يؤمنْ مع نوحٍ مِنْ قومه، إذ الإِخبارُ بأنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِهِ إلاَّ من قدْ آمن، والأَمْرُ بصناعةٍ الْفُلك الَّتي لا تتّسع إلاَّ لِلمُؤمنين ولما يحتاجون في رحلتهم البحريّة، يدلُّ علَى أنّ سائر القوم مُغرقون، فاستشرفَتْ نفس نوح عليه السَّلام لطلَب تَأخيرِ إهْلاكهم إمهالاً، أوْ صَرْفِ النظر عن إهلاكهم أهْلاكاً عامّاً شاملاً، فبادره الله عزّ وجلّ بقوله: {وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا} . وَأكَّدَ لَهُ مَا قَضَاهُ سبحانه من إهلاَكِهِمُ بالْغَرق، فقال له: {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} . فاشتملت هذه الجملة على مؤكّدين: "إنّ" و"الجملة الاسمّية".

* ومن الأمثلة قول الله عزّ وجلّ لرسوله في سورة (التوبة/ ٩ مصحف/ ١١٣ نزول) بشأن الّذِين اعترفوا بذنوبهم خَلَطوا عمَلاً صالحاً وآخر سيّئاً:

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الآية: ١٠٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>