وبعد ذلك انتقل إلى أسلوب الحديث عن الغائب خلافاً لمقتضى الظّاهر {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} .
وفائدة هذا الالتفات التذكير بربوبيّة الله عزّ وجلّ والتوطئة لذكر بعض صفاته التي هي من متقضيات ولوازم كونه رَبّاً، مع الإِيجاز والاقتصاد في العبارة.
* وقول الْحُصَيْنِ بنِ الْحُمَام في مُفَضَّليته يتحدّث عن الخيل في موقعةِ يوم "دَارةِ موضوع" بين بني سعد بن ذبيان، وبين بني سهم بن مُرَّة، وكان الْحُصَيْن قائد بني سهم، وكتب الله له فيها النصر، فجاء في قصيدته:
يَصِفُ الْحُصَيْنُ بن الْحُمَامُ خَيْلَ قَوْمه وقد نجّتْ من بقي منهم في معركتهم الظافرة، وأبان أنّ مَنْ بقي حيّاً فقد بقي بخُطَّةٍ يُعْذَر بها، إذْ لم يجبُنْ، بل أبلى بلاءً حسناً، فلَمْ يَدْنَسْ بفرار من المعركة.
وتحدَّث عن نفسه بأسلوب الحديث عن الغائب فقال:"أبى لابن سلمى" بعد أن تحدّث عن نفسه بأسلوب التكلم مع قومه في قوله: "مَنْ أبْقَيْنَ مِنّا" وكان هو ممّن بقي.
ونقل الحديث إلى الحديث عن الغائب ليوطىء للحديث عن نفسه، كأنَّه يُحَدِّث عن فارسٍ شجاعٍ لا يخشى المنايا، لأنّه يعلم أنه غير خالد لوفرّ من مواقعها، وقَصَدَ أيّ صَرْفٍ من صُروفِ المَهَارِب.
وبعد ذلك التفت أَيضاً إلى التكلّم، فَتَحَدَّث عن نفسه فقال: