سأل السائِلونَ عَنْ سَبَبِ الظاهرة الكونيَّةِ في الأهلة، لماذا يَبْدأ الهلالُ كالحاجب في أوّل الشهر، ويتزايَدُ يَوْماً فَيَوْماً، حتَّى يكون الْقمَرُ بدراً، وبعد ذلك يتناقص حتى يكون في آخر الشهر مثلما بدأ في أوَّله؟
ولمّا كانت هذه الظاهرة إحدى أنظمة الكون يمكن بالبحث العلمي أن يكتشفها الناس مستقبلاً، وليس بيانُها من الأغراضِ الدينيّةِ الأساسيّة الَّتِي بعث اللهُ الرُّسُل لبيانِها، جاءَ الجوابُ مبيّناً وظيفة الأهلة المرتبطةَ ببعض قضايا الدين، وهي تحديد مواقيتِ الشهور، الّتي يحتاجها الناس لعباداتهم، ومعاملاتِهم، وتواريخهم، وتكاليفهم، المرتبطة بالأشهر القمرية، كالصيامِ، وأشهرِ العِدَّةُ، ومُرُورِ الحول لأداء الزكاة، وغيرِ ذلك، وخصّ اللهُ منها الحجَ اهتماماً بتحديد وقته، إذ دخل فيه التحريف الجاهليُّ بالنِّسيء الذي كانُوا يصنعونه.
أمّا الظواهر الكونية القائمة على أسباب غير منظورة فكثيرة جدّاً، والناس لا يستطيعون إحصاءها، وفتح أبواب السؤال عنها والإِجابة عَليْها. يُحَوِّلُ مُهِمَّة الرسول من رسالة دينيّة إلى رسالة عالِمٍ من علماء أنظمة الله في كونه.
***
(٣) النوع الثالث
الإِظهارُ في مقام الإِضمار، والإِضمار في مقام الإِظهار
ومن الخروج عن مقتضى الظاهر: الإِظْهَارُ في مقام الإِضْمارِ، وبالعكس، فهو قسمان:
القسم الأول: الإِظهارُ في مقام الإِضمار.
قد يكون استخدام الضمير في الكلام هو المتبادر الذي يقتضيه ظاهر الأسلوب المعتاد، لكن قد يوجد داعٍ بلاغي يستدعي استخدام الاسم الظاهر بدل استخدام الضمير، ومن الأغراض البلاغيّة لهذا ما يلي: