للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَهِي عَبْدُكَ الْعَاصِي أَتَاكَا ... مُقِرّاً بالذُّنوب وَقَدْ دَعَاكَ

كان مقتضى الظاهر أن يقول: "أنا العاصي أتَيتُكَ" لكنّه أراد أن يستعطف ربّه ويظهر كمال خضوعه له، فذكر الاسم الظاهر بدل ذكر الضمير.

الغرض السابع: إدخال الروعة والمهابة في نفس المخاطب، ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (آل عمران/ ٣ مصحف/ ٨٩ نزول) خطاباً للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} [الآية: ١٥٩] .

إنّ مُقْتَضَى الظّاهر يستدعي أن يقال: "فتوكَّلْ عليه إنَّه يحبُّ المتوكلين".

لكن وُضع الاسم المظهر وهو لفظة الجلالة "الله" موضع الضمير لإِدخال الروعة والمهابة، نظراً إلى أن لفظ الجلالة يجمع كُلَّ صفات كمال الله عزَّ وجلَّ، باعتباره اسماً علماً للذات العليّة، وما هو اسم علم للذّات يكون جامعاً لكلّ صفات الكمال.

الغرض الثامن: التعجيب واستثارة الإِنكار، ومنه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (ص/ ٣٨ مصحف/ ٣٨ نزول) :

{ص والقرآن ذِي الذكر * بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ * وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الكافرون هاذا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [الآيات: ١ - ٤] .

جاء في هذا النصّ: {وَقَالَ الكافرون} مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أنْ يُقَال: "وَقَالُوا" باستخدام الضمير، ولكن وُضِع الاسم المظهَرُ "الكافرون" مقام الضمير للتعجيب من فظاعة مقالتهم، واستثارة النكير عليهم، والإِشعار بأنّهم أهل تمرّدٍ وعناد، كافرون بالحقّ، ساترون لأدلّته وبراهينِه الواضحة.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>