إنّ جملة {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} موجزةُ العبارة، لكنَّهَا تَدُلُّ على معانٍ كثيرة، وقد ذكرها "ابْنُ أبي الإِصبع" من أمثلة "الإِيجاز" ونبَّهَ على ما في عبارة {فاصدع} من دقائق، فقال:
"المعنى: صَرِّحْ بجميع ما أُوحِي إليك، وبلِّغ كُلَّ ما أُمِرْتَ ببيانه، وإنْ شقَّ بعضُ ذَلِكَ عَلى بعضِ القلوبِ فانْصَدَعَتْ".
وأشار إلى أنّ استعمال {فاصدع} هُنَا هو استعمال على سبيل الاستعارة، ومعلوم أنّ الاستعارة عِمَادُها التشبيه، فشَبَّهَ تأثير التصريح في القلوب الكارهة للبيانات الدّينيَّة، بالضرب على الزجاج الذي يَنْصَدعُ دون أن يتكسَّر ويتفرّق، فتابع قائلاً:
"والمشابهة بينَهُما فيما يؤثِّرُهُ التصريح في القلوب، فيظْهَرُ أثَرُ ذلك على ظاهر الوجوه من القبض والانبساط، وما يلوح عليها من علامات الإِنكار والاستبشار، كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة.
فانظر إلى جليل هذه الاستعارة، وعِظَم إيجازها، وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة".
وحُكِيَ أَنّ بعض الأعراب لمّا سمع هذه الآية سَجَدَ، وقال سَجَدْتُ لفصاحة هذا الكلام.
أقول: إنّ إيجاز هذه الجملة القرآنية: "إيجازُ قِصَرٍ" وطريقُه التشبيه الذي جاء بأسلوب الاستعارة، و"إِيجازُ حَذْفٍ" إذْ في العبارة حذفُ المفعول به لفعل "تُؤْمَرُ" والتقدير: فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ أَنْ تُبلِّغَهُ للناس.