فؤادها الغمّة، وأصْبحَ فارغاً من القلق والاضطراب والخوف عليه فجاءت عبارة {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً} كنايةً عن طُمَأْنينتها على وَلَدِها، وسكينتها، واستمتاعها بمشاعر السعادة، لأنّ من شأن فراغ الفؤاد من الأفكار والعواطف المثيرة للقلَق والاضطراب والخوف أن تُصَاحبَهُ الطُّمَأْنينة والسكينة ومشاعر السّعادة. هذه الكناية خفيّةٌ نوعاً ما، مع عدم تعدُّدِ الوسائط بين المكنَّى به والمكنَّى عنه، وجاء خفاؤها بسبب احتمال الفراغ لأمرين متناقضين:
الأوّل: الفراغ من الْهَمّ والخوف والقلق، وهو الفهم الذي ترجّح لديّ.
الثاني: الفراغ من القوة المفكرة العاقلة بسبب الهمّ والخوف والقلق.
وبسبب تردّد الفراغ بين هذين الاحتمالين اختلف أهل التفسير في إدْراك المكنَّى عنه.
لكِنَّ المعنى الذي ذكَرْتُه هو المعنى الذي يتلاءم مع الحدث وسياق القصة.
أمّا قول الله عزَّ وجلَّ بعد هذه الكناية:{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بهِ لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِها لِتكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[القصص: ١٠] فَهُو رُجُوعٌ بالبيان إلى حال أُمِّ موسَى قبل أن تضعه في الصندوق وتُلْقيَه في اليمّ، إذْ صعُبَ عليها أن تباشر بنفسها إلقاء ولدها في اليمّ، ورأتْ أنّ احتمال هلاكه في اليمّ قريب من احتمال ذبحه بأيدي جنود فرعون، فجاء الرّبط على قلبها مانعاً لها من أن تظهر أمرها، وممدّاً لها بالثبات لتنفيذ ما أوحى الله لها به.
وهذا الرجوع بالبيان هو من التفصيل بعد الاجمال، وهو من أساليب القرآن في عرض القصص، وله نظائر متعدّدة فيه.
المثال الثاني: يستشهد البيانيون بقول الخنساء "تُماضر بنت عمر" تصف أخاها صخراً: