للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتركُ هنا للأدباء مجال تعرية القبيح المردود من التشبيهات، فالتحليل الأدبيّ الناقد مسؤولٌ عن تقديم الأمثلة ونقدها.

"القريب المبتذل والبيعد الغريب"

لاحظ البيانيون ما ينتج عمّا يكشفه النظر إلى قيمة التشبيه ودَرَجَتِه، بين مختلف التشبيهات ذوات القيم البيانيّة المختلفة، فانتهى بحثُهُمْ إلى تَحْدِيدِ مرتبتين رئيستَيْن للتشبيه، وتركوا تحديد درجات كلِّ مرتبةٍ منهما للأديب الباحث، ولاختلاف وجهات أنظار النُقَّاد:

المرتبة الدُّنيا: مرتبة القريب المبتذل، وفيها درجات يعْسُر ضبطها.

المرتبة العليا: مرتبة البعيد الغريب، وفيها درجات يَعْسُر ضبطها.

(أ) الشبيه القريب المبتذل:

هو ما يُنْتَقَلُ فيه من المشبَّهِ إلى المشبّه به من غير تدقيق نظر، ولا إمعان فكر، بل يظهر وجْهُه في بادي الرأي.

وقد نظر البيانيّون نظراتِ تحليل لاكتشاف أسباب كون التشبيه قريباً مُبْتَذَلاً، فظَهَرتْ لهم طائفةٌ من الأسباب أشاروا إليها دون أن يَحْصُروا كلَّ الأسباب بها:

السبب الأوّل: كون التشبيه معتمداً على النظرة الكليَّةِ الْمُجْمَلة، التي لم يصاحبها تفصيل ولا تحليلٌ للعناصر.

إنّ النظرة الكليّة المجملة الّتي لا تبحثُ في دقائق الأشياء وتفصيلات عناصرها وصفاتها هي النظرة الأولى الساذجة للإِنسان بحسب العادة، وهي نظرة يستوي فيها الصغير والكبير، والجاهل والعالم، والأديب وغيره، ويستطيع جميعهم في الغالب التعبير عن مرادهم بها.

لذلك تكون مبتذلةً في العادة، ولا تَدُلُّ على مَهَارة فكرية، ولا مقدرة بيانيَّةٍ في مجال التّشبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>