رأى جمهور البيانيين أنّ الاستعارة مجاز لغوي، وقيل: هي مجاز عقلي، بمعنى أنّ الاستعارة تعتمد على أمر عقليّ، لا لغويّ، واستدلّ القائلون بأنّ الاستعارة مجاز عقلي بما يلي:
(١) أنّ اللّفظ المستعار وهو المشبَّه به للدلالة به على غير معناه الموضوع له في اصطلاح به التخاطب، وهو المشبَّه، لا يُطْلَقُ عليه إلاَّ بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبَّه به، أو نوْعه، أو صِنْفِه، فيكون إطلاقُ لفظ المشبّه به على المشبَّه، حاصلاً على وجه الحقيقة لا على وجه المجاز، لأَنّ الادّعاء أدخلَ المشبَّهَ ضِمْنَ أفراد المشبَّه به.
(٢) ليست الاستعارة مجرّد إطلاق اللّفظ على غير ما وضع له في اصطلاحٍ به التخاطب، فهذا أمْرٌ لاَ بلاغة فيه، بدليل الأعلام المنقولة، لكنّ العمل العقليّ هو الذي أعطى الاستعارة بلاغتها.
أقول: كلُّ المجازات اللّغوية سواء أكانت من قبيل الاستعارة أم المجاز المرسل، ليست مجرّد حركة آليّة لغويّة يتمّ بها استعمال اللفظ في غير ما وضِع له في اصطلاح به التخاطب.
بل لا بدّ في المجاز من عمل فكري أو شعور نفسّي يُصَحِّحُ في تصوُّرِ المتكلّم استخدامَ اللّفظ في غير ما وُضع له.
* فحين نتلو قول الله عزَّ وجلَّ:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ من الصوَّاعِقِ حَذَرَ الْمَوْت}[البقرة: ١٩] فإنّنا لا نشعر بأنّ لفظ الأصابع وُضِع بدل الأنامل وضعاً اعتباطيّاً في هذا المجاز المرسل، وليس مجرَّدَ حركة آليّة لُغَوِيّة، بل هو قائم على ملاحظة فكريّة، وهي أنّ الذين يحذرون الموت من الصّواعق ذواتِ الأصوات العظيمة