للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد رأى البيانيّون أنَّ التشبيه الذي هو أصل الاستعارة وعلاقتها يكون أوّلاً في الأسماء الجامدة، ومنها المصادر.

وبعد التشبيه الذي يكون في المصدر يُشْتَقُّ من المصدر الفعل الماضي، أو المضارع، أو الأمر، ثم يُشْتَقُّ اسم الفاعل، أو اسم المفعول، أو الصفة المشبّهة، أو اسم الزمان، أو اسم المكان، أو نحو ذلك.

* وبناءً على هذا التصوّر اعتبروا استعارة الأفعال والمشتقات من الأسماء إنّما كانت تبعاً للاستعارة في المصادر، وأجْرَوا الاستعارات فيها على هذا الأساس.

فإذا قال المتشكِّي من نوائب الدهر: "عَضَّنَا الدّهْرُ بِنَابِه" بمعنى أوقع بنا المصائب، قالوا:

شَبَّه وقع المصائب بالعضّ الذي هو مصدر فعل "عَضّ" بجامع الإِيلام في كلٍّ من المشبَّه والمشبَّهِ به، ثمّ استعار كلمة "العضّ" للعمل المؤلم الذي تُحْدِثُه النوائب، ثمّ اشتَقَّ من "العضّ" الذي هو مصدرٌ فِعْلَ "عَضَّ" فكان هذا الاشتقاق أمراً تابعاً للاستعارة في الاسم الجامد الذي هو المصدر.

فَسَمَّوا كُلَّ ما كان من هذا القبيل استعارةً تبعيّة.

* وكذلك رأوا في استعارة الحرف للدلالة به على معنى حرف آخر.

مثل: استعارة حرف "في" الجار الذي يدلُّ على الظّرْفية للدلالة به على معنى حرف "على" الذي يُدلُّ على الاستعلاء.

ورأوا أنّ أصل هذه الاستعارة تشبيه العلوّ المثبّت بالشَّيْءِ تثبيتاً قويّاً بالشيء الدّاخل في شيءٍ آخر دخولاً انْدِمَاجيّاً، أو دخولاً ظرفيّاً، واسْتُعِير لهذا المعنى اسْمٌ يدلُّ على هذا الدخول، ثمّ استغني عنه بحرف الجرّ "في" الذي يدلُّ على الظرفية،

<<  <  ج: ص:  >  >>